الزواج آية من آيات الله يعظِّمها سبحانه وتعالى، والتوافق بين اثنين نعمة من الله يمنُّ بها على من يشاء من عباده، فبها ترفع رايات الأفراح، وتعم السعادة فى قلوب الأحباب، وتتكاتف الأيادى لإنجاز المطلوب، ويصب الممتلئ بالرضا على الآخر حتى تتكافأ الرؤوس – وإن اختلفت فى جوهرها – فالرضا والقناعة يجعلان العلاقة بين الزوجين حميمة قوية، لتسير المركب إلى الشطآن فى أمان، وبالقبول تنتهى الفوارق، وتصبح الحواجز التى بينهما كالجليد تذيبها حرارة العرس والدعاء بالتوفيق من الأهل نحو إقامة بيت سعيد مصحوباً بالرفاق والبنين.
أيها الزوجان حافظا على الوفاق الذى صار بينكما، والرضا الناتج عن القبول ببعضكما، واذكرا نعمة الله عليكما بالزواج فهل من بعد آيات الله آية؟
قد تفتر العلاقة بينكما ويصاب أحدكما أو كليكما بالملل والفتور، فعودا إلى بداية حياتكما دائماً، فاملئا القلب بجهة وسرورا، وإلا فسيحل مكانهما العبس والكآبة، ويزداد الفتور، فابحثا عن الفرحة والسعادة وخذا بالأسباب دون الاعتماد على الآخر فى الانطلاق نحو السرور.
بشاشة الوجه ومقابلة الآخرين بالابتسامات حث عليهما نبينا الكريم صل الله عليه وسلم فقال: (تبسمك فى وجه أخيك صدقة) فأنتما أيها الزوجان أولى ببعضكما البعض، فإياكما من العبس والكآبة فهما خفافيش الظلام إن حلَّ على الوجه فلن يخرجا إلا بتشوية الشكل، فقد استعاذ النبى صل الله عليه وسلم منهما فقال (اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)سنن أبى داوود.
- أنتما جزءان من الأهل، فعليكما بالود وصلة الأرحام قبل فوات الآوان، والتراشق بالأقوال، وانتهاء الآجال، فتزداد الفجوة بينكما، ويغضب الرب من قطيعة أرحامكما، ويحل الشقاق فى عشكما وإن تظاهرتما بين الأهل بالرضا والقبول. فأحذرا قول الله تعالى فى حديثه القدسى (الرحم شققت لها اسماً من اسمى، من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته).
ومهما كان الخلاف بين الأهل فإياكما باستخدام الأولاد وسيلة للضغط أو تأكيداً للكره والنفور.
- جفاف العلاقة بينكما من جفاف الطاعة سوياً لله وحب العمل له والدعوة فيه، فاجعلا لكما طاعة تجمعكما فى محراب الرحمن تصفوا بها القلوب، وتهدئ بها النفوس، فالقلوب الطائعة لربها، الساجدة لخالقها، الذاكر لبارئها مطمئنة، والجود على الأقارب ومن حولكما يمحو الذنوب، فالطاعة تزيل الران من فوق القلوب (وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَى النَّهَارِ وزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) واصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ (115))سورة هود .
- تجنبا الخلاف والبعد عن تضخيم المشكلات، واسعيا لحلها حفاظاً على المشاعر التى تحابت فأخرجت أفضل ما عندها من معانى الحب والعطف والحنان، فلا يبيتن أحدكما وفى صدره شىء، وإن حدث ذلك وتحاملت النفوس فلتتصافا بينكما، فسلامة الصدر تجبر الكسر، وتعيد الود، وتدخل الجنان.
وإياكما والخوض فى مشكلات أو خلافات فى وجود الأولاد، فالهدم فى النفوس أشد وأنكى من بناء الدنيا فى الماديات.
- والحذر كل الحذر من خروج مشكلة مهما صغرحجمها، أوخف وزنها بعد عتبة البيت، فالجروح الداخلية يسهل التئامها، فإن تفتحت من الخارج صار علاجها أصعب، ولن يعود الجسد على ما كان عليه فهو إلى التشويه أقرب، ويحتاج إلى وقت وعناء وخاصة بعد تدخل أصابع أخرى لتساعد على التضميد وإن فلحت!.
- لينا الجانب لبعضكما، فلا تكونا كالجبال يصعب تسلقها، وكونا كالجمال تخضع ظهورها ليمطاتها الصغير قبل الكبير، فما وضع اللين فى شىء إلا زانه، وما وضع الكبر فى شىء إلا شانه. فكونا باللين كاليدين تمسح بعضهما بعضاً، وتملس أحداهما على الأخرى حتى تنظفها وتطهرها.
- البخل يهدم القلوب قبل هدم البيوت، فاحذر أيها الزوج الحنون فأنت الراع عن رعاياك فمن أين لهما بالحاجات والأموال إن دب الشح فى جيبك، وصار البخل من سماتك، فالجود والكرم من سيم الرجال، وعليك بحديث حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى) الراوى: عبد الله بن عباس المحدث: المنذرى - المصدر: الترغيب والترهيب.
- الإسراف صفة الشيطان، وهى تهدم المستقبل للأولاد وإن عاش المرء لحظة ترفٍ فسيعيش بعدها دهر من القحط وذلة فى العيش بين الأهل والجيران، فاحذرى أيتها الزوجة من الإسراف فى الكماليات، وقلب الأولويات والنظر إلى من حولك لتعيشى عيشة الأميرات وتندمى بعدها ندم العبيدات، وسيأتى اليوم الذى تبحثين فيه عن مال بين يديك ولكن قد فات الآوان (وآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ والْمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وإمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً (28) ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً (29) إنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ ويَقْدِرُ إنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30)) سورة الإسراء.
نصائحى إليكما أيها الزوجين الكريمين أدق بها ناقوس الخطر حتى لا تتفتت الأسرة ويدب الخلاف بينكما، عسى الله أن يمنّ على بيوت المسلمين بالحفظ والأمان والاستقرار.