يقتلون باسم فلسطين وهي الضحية
شبكة المنصور
نقولا ناصر / كاتب عربي من فلسطين
منذ لاح خطر المشروع الصهيوني في الأفق العربي والإسلامي قبل قرن ونيف من الزمن ، ما زال العرب والمسلمون يقتتلون في ما بينهم رافعين علم فلسطين عنوانا لاقتتالهم وفلسطين براء من هكذا اقتتال ، اللهم إلا في كونها الضحية له ، والخاسر الأول منه ، اليوم مثلما كان الحال دائما ، والمثال الأحدث هو قضية "خلية حزب الله" في مصر التي انفجرت ، أو بالأحرى فجرت ، في وجه عرب فلسطين المحاصرين في قطاع غزة لتتحول إلى مسوغ جديد لمواصلة حصارهم أكثر مما فجرت في وجه طرفيها المصري واللبناني .
لكن تفجير هذه القضية يثير مرة أخرى المسألة الملحة لضرورة التوقف العربي والإسلامي عن حشر القضية الفلسطينية رهينة للخلافات العربية والإسلامية البينية حول ملفات دولية أو إقليمية ، وعن زجها في الصراع الداخلي بين الحكام وبين الشعوب واستخدامها قذيفة موجهة تطلقها الأنظمة الحاكمة في وجه شعوبها كمسوغ لاستمرار مصادرة حريتها وحرياتها باسم فلسطين أو تطلقها حركات المعارضة في وجه حكوماتها لتسويغ تجاوزها الخطوط الوطنية الحمراء في معارضتها مثل الاستقواء بالأجنبي لحسم صراع وطني ، وهذا مطلب فلسطيني وطني محل إجماع لا يضعفه قرب هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك من هذا النظام العربي أو الإسلامي أو ذاك .
وليس سرا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي في سياسة معلنة غير خفية هي التي ما زالت تحرص على أن تربط أي حل للصراع العربي الإسرائيلي بحل صراعات عالمية أو إقليمية أخرى ، فمرة ارتهنت هذا الحل لحسم الصراع الدولي بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي ، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي ارتهنت الحل مرة ثانية لحسم الحرب الأميركية العالمية على الإرهاب ، وهي اليوم ترهن الحل مرة ثالثة لحسم ملف إيران النووي ، ويكاد يكون مؤكدا ، لو افترضنا جدلا حسم ملفي الإرهاب وإيران في أي وقت منظور ، أن تتعلل دولة الاحتلال بقضية عالمية أو إقليمية مستجدة أخرى لكي تتهرب من أي حل يهدد بإنهاء احتلالها ويتيح المجال للشعب الفلسطيني كي يقرر مصيره فوق أرض وطنه بإرادته الحرة .
وبما أن المشروع الصهيوني في فلسطين لم يستهدف هذا الجزء فقط من الوطن العربي والعالم الإسلامي فإن وحدة موقف الظهير العربي والإسلامي لفلسطين وشعبها أصبحت شرطا مسبقا لأي حل عادل للقضية الفلسطينية ، وبالتالي أصبح الفصل بين فلسطين وبين هذا الظهير هدفا استراتيجيا لدولة الاحتلال التي تمخضت عن هذا المشروع ، ولذلك تحول توريط أطراف هذا الظهير ، دولا وحركات سياسية ، في اصطفاف أو تحالف مع هذا الطرف الدولي أو الإقليمي أو ذاك من أطراف الصراعات الدولية والإقليمية الوسيلة الأنجع لكسر أي إجماع عربي أو إسلامي على موقف موحد من القضية الفلسطينية .
غير أن استمرار الوقوع العربي والإسلامي في هذا الفخ الإسرائيلي المنصوب علنا دون أي تمويه ما زال يثبت بان صناع القرار عربا ومسلمين ما زالوا عاجزين عن تفادي الوقوع فيه بالرغم من معرفتهم التامة المعلنة به وبأهدافه ، وليست قضية "خلية حزب الله" في مصر إلا المثال الأحدث على الفخ وعلى العجز معا .
فدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تحرض العالم ضد مصر وفلسطين وحزب الله وجدت في هذه القضية أداة جديدة لخدمة حملتها التحريضية على الأطراف الثلاثة المعنية بهذه القضية ، وكما قال رئيس هذه الدولة شمعون بيريس: "إنهم يتقاتلون . دعهم يتقاتلون فإن هذا يفرح إسرائيل" .
إن قضية "خلية حزب الله" في ظاهرها تظهر تناقضا بين الأمن الوطني لكل من مصر ولبنان وفلسطين وعندما يكون هناك تضارب أو تناقض بين الأمن الوطني المصري وبين الأمن الوطني الفلسطيني أو اللبناني يكون هناك خطأ فادح وخلل فاضح في تعريف مفهوم الأمن الوطني وتكون هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في هذا المفهوم ، فالأمن العربي إذا لم يكن متكاملا يكون هناك بالتأكيد خطأ فادح في التعريف الوطني المعتمد لهذا الأمن .
ولا يكفي لإخفاء هذا الخطأ الفادح مثلا اتهام حزب الله لمصر بأن معاهدة سلامها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تضع نظامها الحاكم في خندق واحد معها وتجاهل حقيقة أن الضحية الفلسطينية لهذه الدولة تكاد تجمع بفصائلها كافة على أهمية علاقاتها المصرية التي تفرضها الحقائق الجيوسياسية الأقوى من أي رغبات ذاتية . ولا يكفي لإخفاء هذا الخطأ أيضا الاستمرار في العزف المصري على اسطوانة أن حزب الله ما هو إلا أداة إيرانية وتجاهل جذور الحزب الضاربة في عمق الحياة اللبنانية ليكون جزءا عضويا من حراك لبنان كان له الفضل القيادي في تحرير جنوبه دون قيد أو شرط وفي استمرار حمايته وطنيا من أي احتلال أو عدوان جديد وتجاهل ما يعنيه ذلك للأمن العربي بغض النظر عن ولاء هذا الحزب المعلن لولاية الفقيه الإيرانية . ولا يكفي لإخفائه كذلك استمرار أجنحة قوية في الحكم المصري في محاولة تجريد تعسفية لحركة حماس من دورها كعمود فقري للمقاومة الفلسطينية جذوره ضاربة عميقا في المجتمع وفي النضال الوطني على حد سواء بحجة حصولها على الدعم من أطراف عربية أو إقليمية لها مع مصر خلافات لا علاقة البتة لها بالقضية الفلسطينية بقدر ما لها كل العلاقة بالتحالفات الدولية لأطراف هذه الخلافات أو بتضارب استراتيجياتها الإقليمية .
وربما من المفيد هنا لاستخلاص العبرة استذكار رواية القيادي الفلسطيني الفتحاوي المرحوم خالد الحسن عن بداية علاقات حركة فتح مع المملكة العربية السعودية ، وخلاصة الرواية هي أن فتح أوضحت للأشقاء في الرياض بأن المقاومة الفلسطينية التي كانت تقودها الحركة كانت مخيرة بين أن تحصل على الدعم منهم وبين أن تحصل على الدعم من الدول الشيوعية ، ويبدو أن الأشقاء في مصر وغيرها مخيرون الآن بين أن تحصل المقاومة التي تقودها حماس اليوم على دعمهم وبين أن تحصل على هذا الدعم من إيران ، وإذا كانت الرياض قد حسمت أمرها مع فتح على أساس أن الأقربين أولى بالمعروف فإن مصر ومن يتفق مع رؤيتها للقضية الفلسطينية في وضعها الراهن ما زالوا بانتظار أن يحسموا أمرهم .
إن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تنفي أي صلة لها ب"الخلية" مثار الأزمة بين مصر وبين حزب الله ، وتؤكد حرصها على الأمن الوطني المصري بقدر حرصها على تثمين موقف الحزب من فلسطين وقضيتها في الوقت الذي تعلن فيه أن فلسطين لا ينقصها الرجال وبالتالي فإنها ليست بحاجة إلى الرجال من خارجها ، وتكرر التزامها بعدم التدخل في الشأن المصري الداخلي كمبدأ ربما يكون القاسم المشترك الوحيد الذي تجمع عليه الفصائل الوطنية الفلسطينية كافة في علاقاتها الخارجية في وقت انقسام يكاد لا يجمعها فيه أي قاسم مشترك آخر ، ومع ذلك فإن الحقيقة الساطعة الأكثر وضوحا في الغبار السياسي الكثيف الذي أثاره تفجير هذه القضية هي استغلالها في محاولة تفجير علاقة مشحونة أصلا بأسباب موضوعية للتوتر بين مصر وبين الخاصرة الشرقية لأمنها القومي في قطاع غزة .
ومن المؤكد أن حماس وفلسطين ليستا المستفيد من تفجير هذه القضية ، وبالتأكيد ليست مصر ولا حزب الله هما المستفيدان ، ومما لا شك فيه أن احتواء مضاعفتها بسرعة ، اليوم قبل غدا ، فيه مصلحة واضحة للأطراف الثلاثة ، بينما المستفيد "الإسرائيلي" الوحيد من استمرار النفخ في نار الفتنة الجديدة واضح للعيان ، للطرفين المعنيين قبل غيرهما . راق لة وعرقت الكثير
بالله اقرؤو جيدا وافهموه