لقد قفزت إلى ذهنى فكرة النزول إلى الشارع لتفقد أحوال الشعب المصرى، بعد أن تقمصت دور الزعيم، ومشاهدة ما يعانيه المواطنون على أرض الواقع، وللتأكد بنفسى مما أقرأه من أخبار تنشر بالصحف الخاصة والمستقلة، وهى الأخبار التى تنفيها الصحف القومية.
وعند نزولى للشارع وجدت سيولة غير عادية فى حركة المرور، ووصلت إلى منطقة وسط البلد فى دقائق معدودة، بعد أن أقطع هذه المسافة فى ساعتين، وتحديداً وصلت إلى المناطق التى يدعون أنها مكتظة بالمصالح الحكومية والوزارات، ووجدت الحكومة وقد نقلت جميع الوزارات والمصالح إلى المناطق الجديدة، لتخفيف حدة الازدحام الخانق الذى كنا نعانى منه، وتذكرت أن لى مصلحة أريد قضاءها فى إحدى المصالح الحكومية، فتوجهت على الفور إلى مقر هناك ليقابلنى موظف الاستقبال بابتسامة عريضة لم أعهدها من قبل، وأرشدنى عن كيفية التعامل مع الحكومة الإلكترونية لإنهاء مصلحتى فى أسرع وقت، ونصحنى بالتوجه إلى أستاذ فلان، فتوجهت إلى الشباك المخصص لى لأفاجأ بابتسامة أخرى من الموظف المختص موجها حديث لى، "تحت أمر معاليك يا فندم"، وقدمت له الأوارق اللازمة، وطلب منى الموظف، والابتسامة لا تفارقه، أن استريح على الكرسى الموجود بالقاعة المكيفة لحين النداء على اسمى، وما هى إلا دقائق معدودة حتى تم النداء على اسمى لاستلام الشهادة التى أرغب فى استخراجها، وشكرت الموظف، وعندما شرعت فى الانصراف وسوس لى شيطانى، "أن أكرمش ورقة بخمسة جنيهات فى يده "ولكنه باغتنى بالرد"، عيب يا أستاذ اللى انت بتعمله ده أنا موظف محترم وعمرى لا أنا ولا أى موظف مصرى أخدنا رشوة، وعمرنا ما نقبل الحرام، وبنقبض اللى مكفينا وزيادة حبتين، الحكومة مراعيانا، أعوذ بالله من الحرام انت ما تعرفش ان الراشى والمرتشى فى النار"، وقبل أن ينهى الموظف كلامه كنت قد تحللت من أمامه، وأطلقت قدمى للرياح خجلا من ذلك الموظف الشريف الذى أسأت الظن به، وبعد خروجى مترجلاً شاهدت أحد المواطنين البسطاء يستقل سيارة أحدث موديل، وهم بإلقاء "قشرة لب" من نافذة السيارة الفارهة وعندها انشقت الأرض وظهر رجل شرطة ظل يطارد ظل المواطن المؤذى إلى أن استوقفه، وطلب منه دفع غرامة لعدم محافظته على نظافة البلد، وعلى الفور قام المواطن بسداد الغرامة، واعتذر عن فعلته الشنعاء، وعند حلول موعد صلاة الظهر توجهت لأداء الصلاة وسمعت درس دين، قبل الصلاة، ألقاه إمام المسجد نصح فيه المصلين بضرورة نبذ التعصب والفتن الطائفية، وأن الدين لله والوطن للجميع، وبعد أدائى للصلاة خرجت وتقابلت مع صديقى المسيحى، وقد خرج لتوه من الكنيسة، وحكى لى العظة التى سمعها، والتى جاءت متفقة مع الدرس الذى سمعته فى المسجد، وعندها تأكدت أن ما تنشره الصحف الخاصة والمستقلة هو مجرد شائعات كاذبة لا أساس لها من الصحة، وتهدف إلى إثارة الفتن والترويج للأفكار الهدامة وأن الصحف القومية هى التى تحافظ على أمن وأمان الوطن وأن رؤساء تحريرها مستقلين فى آرائهم وتوجهاتهم، وبالمصادفة تذكرت أن اليوم هو يوم انتخابات مجلس الشعب، فتوجهت بصفتى مواطن مصرى أصيل، للإدلاء بصوتى، ففوجئت بأن عملية التصويت تتم فى سهولة ويسر، ولا توجد رشاوى انتخابية، والشرطة بعيدة كل البعد عن الانتخابات، اللهم إلا للحفاظ على النظام ليس أكثر، وأن التزوير الذى كان يروج له بعض كارهى ذلك الوطن ما هو إلا شائعات مغرضة تهدف إلى الإساءة لسمعة النظام، فحمدت الله على الديمقراطية التى ننعم بها واعتذرت فى سرى عن سوء ظنى، واتهامى للشرفاء بما ليس فيهم!! وبعد تفقدى أحوال الانتخابات واطمئنانى على أن كل شىء على ما يرام شعرت بالتعب والجوع، فتوجهت إلى نادى الزمالك، باعتبارى زملكاوى قديم، لتناول الغذاء، ولكنى فوجئت بأن ما أقرأه بالصحف "المضللة" لا أساس له من الصحة، وأن النادى العريق أصبح يحتكر البطولات، وإدارته مستقرة، ولا تتغير بين عشية وضحاها، بعد أن كان مجلس إدارته يتغير " قبل الأكل وبعده" مثل المضاد الحيوى، إلا أنه عند انصرافى انزلقت قدمى فشعرت ببعض الآلام فتوجهت إلى مستشفى حكومى لتلقى العلاج المجانى على نفقة الدولة، فوجدت العلاج على مستوى من الرعاية، ووقع الكشف على أستاذ دكتور بصحبته طبيب بالامتياز لاكتساب الخبرة اللازمة، والغريب أننى لم أشاهد أى نوع من الزواحف أو الصراصير مثلما كنت أسمع من مروجى الإشاعات أو أشاهد ببعض مقاطع الفيديو المنتشرة واكتشفت أنها مشاهد ملفقة، ولن أخفى عليكم سراً، أن الطبيب المعالج "حلف طلاق ثلاثة ليسفرنى ألمانيا" لتلقى العلاج بصحبة أحد الوزارء باعتبارى مواطن لا يقل درجة عن الوزير، ولكنى رفضت حرصاً على أموال البلد، تاركاً الفرصة للوزير "الغلبان"،و بعد خروجى من المستشفى وعلى بعد خطوات شاهدت حفرة من النار يتجمع حولها مجموعة من الناس سألتهم عن سبب هذه الحفرة النيرانية فعلمت أنها حفرة معدة للمرتشيين والفاسدين ومحتكرى السلع وتجار المخدرات ومثيرى الفتن الطائفية، الذين لا مكان لهم بيننا، فشعرت بفرحة غير عادية لدرجة أننى رقصت من شدة الفرح لدرجة أن بعض المواطنين ظنوا أننى مواطن مجنون، وعند انصرافى تذكرت أننى لم أقرأ الصحف فى ذلك اليوم لانشغالى بتفقد أحوال الشعب فقمت بشراء جريدة، قومية طبعاً، فقرأت خبر استقالة أحد الوزراء بعد اكتشاف واقعة فساد بوزارته، وأن المسئولين عنها أحيلوا للمحاكمة الجنائية، وأن الوزير شعر بمسئوليته السياسية تجاه ما حدث، و بعد أن انتهيت من تفقد أحوال الشعب انصرفت عائداً إلى منزلى لأجد زوجتى فى انتظارى، وقد أعدت وجبة العشاء المكونة من المشويات من أجود أنواع اللحوم والدجاج وطبق سلطة لا يحتوى على أى مزروعات مسرطنة و"مسقية" بمياه معدنية فتناولت الشعاء، وتوجهت إلى سريرى "أبو ريش نعام" لأفاجأ بزوجتى توقظنى "قوم صلى الفجر طبق الفول بالزيت الحار جاهز" فاستيقظت من نومى وأنا استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لأتأكد أننى كنت فى حلم جميل لن يتحقق، وكل حلم وأنتم طيبين، مع اعتذراى للصحف الخاصة.