ما يحدث الآن فى مصر فتنة كبرى ووقيعة وروح غريبة تسرى بين أبناء الوطن الواحد، تغذيها قوى وجماعات المصالح فى السلطة والمعارضة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، الذى يرى الدماء المصرية تسيل ويتحدث عن الديمقراطية التى لا تمس أمن إسرائيل واستقرار المنطقة.
لم تعد القضية المسيطرة على المشهد المصرى الراهن قضية بقاء الرئيس مبارك أم تنحيه عن السلطة، مع كل الاحترام لتاريخه وعطائه وخلفياته، بل ماذا بعد أن حدث انشقاق بين مواطنين، وأقول مواطنين من الشعب المصرى التحموا فى ميدان التحرير بالعصى والحجارة والتراشق بالشتائم والتخوين بسبب تأييد بقاء الرئيس مبارك فى السلطة بدعوى الحفاظ على الاستقرار والأمن أو المطالبة برحيله تجديدا لدماء مصر المتصلبة منذ ثلاثة عقود.
فريقان من الشعب المصرى يجرى توظيفهما سياسيا طبقا لأجندات المعارضة والسلطة، لكى يستمر النظام بكل رجاله ورموزه وخطابه السياسى الجديد القديم، أو لكى تركب المعارضة الانتهازية وأحزابها الهشة الضعيفة الموجة وتستغل انتفاضة الشباب لتحقيق زعامة ومكاسب وصفقات، لم تحققها على الأرض بسبب خلافاتها الداخلية ومناوراتها السابقة مع النظام.
الشعب المصرى الآن يحتاج لعودة روح الحكمة والمسئولية والوحدة التى ظهرت فى اللجان الشعبية لحماية ممتلكات وأعراض المصريين، فلن يستفيد أى مواطن من تلك الفرقة والانقسام سوى الانتهازيين فى السلطة والمعارضة، أما فاتورة وتكلفة الانشقاقات والدماء فلن يتحملها سوى المواطن المصرى الذى لا يزال يعانى من تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن شبح فوضى تهدد رزقه وقوت يومه، خاصة بعد رحيل المستثمرين الأجانب وإغلاق البورصة والبنوك.
الجميع الآن حكومة ومعارضة مدعوون للجلوس لطاولة الحوار والتفاوض مع نائب الرئيس السيد عمر سليمان؛ من أجل مستقبل مصر، مترفعين عن الخلافات السياسية الضيقة، أما التذرع بأن النظام المصرى لن يحقق كل المطالب فليطرح كل هذا على طاولة الحوار، ولنضع نصب أعيننا ما تحقق من مكاسب نتيجة انتفاضة الشباب، مثل تعيين نائب لرئيس الجمهورية والتعديلات الدستورية الجديدة والاعتراف ضمنيا ببطلان انتخابات مجلسى الشعب والشورى.
فالحوار الحوار قبل أن تسيل الدماء أكثر وأكثر على نهر النيل.