خذلوه بعد أن ضللوه.. وأفهموه أن مصر كلها حزب وطنى وأنهم سحقوا المعارضة فى الانتخابات بانتخابات نزيهة، وأن الشعب قال كلمته واختار نوابه من الحزب الحاكم.. ووقف الرئيس المسكين وهو لا يدرى أنه مخدوع.. يحيى قيادات ورموز الحزب الوطنى على أدائهم النزيه وفوزهم الساحق بمعركة انتخابية شهدت الشفافية والحيدة، وترحم الرئيس على المعارضة، وكأنه يأسف لانسحابها فى الجولة الثانية، وهو لا يدرى بما تحمله الصدور.. أفهموه أنه لا صوت يعلو على صوت الحزب الوطنى وأن شباب الحزب يترصد لأى معارض، وكأن الشباب لعبة فى أيديهم مع أنه لم يدخل اللعبة ورفض أن يشترك فى عمليات التزوير.. مصر كلها تعرف كيف تم تزوير الإرادة الشعبية، ما عدا الرئيس ورموز الحزب.. لكنهم للأسف تعاملوا مع الدعوة لتظاهرة ٢٥ يناير بكبرياء واستعلاء.. همسوا فى آذان الرئيس وأفهموه أنهم «شوية عيال..» يمكن تفريقهم فى ساعة، وكالعادة لم يتحرك الرئيس لأنه يعرف أن وزير داخليته قادر على الردع.. المحيطون به ذكروه ببطولات الأمن المركزى فى مظاهرات رجال القضاء يوم احتشدوا أمام دار القضاء العالى، وكيف نجحت الشرطة فى وقف زحفهم إلى القصر الجمهورى.. وذكروه بإضراب عمال المحلة الذين أحرقوا أمامهم الأخضر واليابس، ويومها خرج رموز الحزب الحاكم ينسبون الأحداث إلى قوى خارجية.
نام الرئيس واطمأن ليستيقظ على صيحات الوطنيين من الشباب المطحون.. ألوف خرجت بتحريض من داخلها، وليس بتحريض إخوانى أو شيوعى.. شباب زى الفل، معظمه من خريجى الجامعات وأولاد المطحونين.. ليست لديهم أطماع سياسية.. هتفوا مطالبين بالتغيير، وللأسف كان كل من يتعرض لكلمة التغيير سواء كان من حملة الأقلام أو المثقفين تخرج عليه طلقات نارية من الإعلام الحكومى وتشهد على صدر الصفحة الأولى فى جريدة «الجمهورية» بالذات تريقة واستخفاف وهجوم على كل من يطالب بالتغيير.
ومع إرادة الشباب وثورته تحنى الصحيفة رأسها ويرتعش القلم فى يد رئيس تحريرها، وبعد أن كان يدافع عن رجال الأعمال فى حكومة نظيف، وصفهم الآن بأنهم كانوا الفئة التى عزلت الحكومة عن الجماهير.. سبحان الله.
ثورة الشباب حققت بداية الإصلاح وهى البداية التى فرضت نفسها على النظام بعد أن سقط شيوخ النظام، ولم يجد الرئيس مخرجًا إلا أن يقف مع الإرادة الشعبية ويفهم حقيقة الرجال الذين خذلوه وخدعوه.. فالشباب لا يريد شيوخ النظام.. لا لجمال.. ولا لصفوت الشريف.. ولا لزكريا عزمى.. ولا أحمد عز، فهذه الوجوه أصبحت مكروهة فى الشارع المصرى، وقد سقط الحزب الوطنى برموزه من ذاكرة المصريين.
لقد كتبت فى هذا المكان يوم ١٦ ديسمبر ٢٠١٠ مقالا تحت عنوان «بعد القرصنة السياسية.. هل تفيق أحزاب المعارضة»، وقلت فيه إن أحمد عز أعاد مصر ٥٠ سنة إلى الوراء، بإدارته لعجلة الزمن إلى الخلف من خلال تزويره إرادة الشعب فى انتخابات مجلس الشعب، بينما «أسانج» مؤسس موقع «ويكيليس» قدم عقارب الساعة ٣٧ سنة بضربة واحدة عندما كشف عن وثائق منذ حرب ٧٣.
وللأسف لم يسمعنى أحد، ومع أن صدمتى كانت كبيرة فى شيوخ النظام الذين أعادونا إلى الوراء، فقد توقعت أن يكون هناك رد على ما كتبته، وكالعادة ضربوها «طناش»، مع أننى فى هذا المقال قلت: «إن الرئيس مبارك فى خطابه أمام الهيئة البرلمانية صب هجومه على المعارضة وأعرب عن أسفه إزاء فشل أحزابها فى الوصول إلى مجلس الشعب..».
وبالحرف الواحد تساءلت.. لماذا أخفوا عن الرئيس عمليات التزوير وتسويد بطاقات الرأى خارج اللجان ولجوء الحزب الحاكم إلى البلطجية باستخدام السنج والمطاوى لإرهاب الناخبين.
للأسف هؤلاء البلطجية الذين روعوا أمن الناخبين، هم الذين روعوا أمن المواطنين بعد انسحاب الشرطة من الشوارع، وكأن الحزب استعان بهم لتأديب المتظاهرين وأسرهم.
أنا شخصيًا بعد هذه الأحداث أجد نفسى متعاطفًا مع أخى الأكبر.. وأبى الرئيس مبارك بعد أن أصبح وحده فى الساحة وكون أن يلجأ إلى المدرسة العسكرية، فهو شرف لنا أن يحتكم لصوت العقل، فالقوات المسلحة هى الحصن القوى لأمان هذا الشعب.. يا ليته لجأ إلى المدرسة العسكرية منذ سنوات وأخذ بنصيحتهم.. لكن الذين خذلوه أفهموه أن الأمن المركزى هو الدرع الواقية لأى نظام.. لم يتصور أن جنود الأمن المركزى هم أنفسهم يعانون نفس الأزمات التى يعانى منها المواطن العادى.. أذكر أننى سألت مسؤولا أمنيا كبيرا يومًا.. ماذا تتوقع من الأمن المركزى لو حدث تمرد شعبى.. هل يتصدى للمتظاهرين؟.. وهل يستطيع أن يواجه ثورة الجياع؟
قال لى هذا المسؤول.. لا وألف لا.. أول من ينضم للمتظاهرين جنود الأمن المركزى لأنهم يمثلون الطبقة الكادحة.. منهم سوف تحميهم، والسبب القيادة الأمنية التى كانت تضع أمن الرئاسة فى المرتبة الأولى على أمن المواطن.. فكان جنود الأمن المركزى بملابسهم الرسمية أو الملكية يصطفون فى الشوارع يمينًا وشمالاً لموكب الرئيس أو حرم الرئيس أو ابن الرئيس.. مع أن مبارك لم يطلب منهم معاملة زوجته أو ابنه معاملة رئيس الدولة.. لكن ماذا تقول للنفاق السياسى الذى كان سببًا فى الإطاحة بالنظام.
نحن الآن فى مرحلة انتقالية حرجة تحتاج تضامن كل المصريين على حماية هذا الوطن.