ظاهرتان متزامنتان
شهدت
الثمانينات والتسعينات ظاهرتين متزامنتين وقد تكونان منفصلتين عن بعضهما
وكان تزامنهما بمحض الصدفة، وهما التحول الديمقراطي والمد الإسلامي،
ولكنهما في مرحلة من الحياة السياسية والعامة تم تجاهلهما وكادتا تشكلان
معا ظاهرة واحدة، فقد ساهمت التحولات الديمقراطية التي جرت في العالم
العربي في زيادة تأثير الحركة الإسلامية وحضورها السياسي.
وربما يكون المد الإسلامي سببا في تراجع الحكومات العربية عن
الديمقراطية التي بدأتها وهو أيضا سبب التغاضي الأميركي والأوروبي عن
الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي الإسلامي.
” معارضة أغلبية العرب للتسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيليى على النحو القائم أو المقترح سيجعل الديمقرطية غير مرغوبة لدى الدول الكبرى والمؤثرة في المنطقة والتي تتمتع بهيمنة عالمية وترعى هذه التسوية ” |
يرصد
المؤلف إجراءات التحول الديمقراطي منذ منتصف الثمانينات، فقد أجرت كل من
العراق وسورية انتخابات برلمانية عامي 1989، 1990 وشكلت دول الخليج مجالس
استشارية بالتعيين (ثم تحولت إلى انتخابات في البحرين وعمان وقطر) وأجريت
انتخابات نيابية في الكويت.
ولكن حدثت تحولات أكثر جدية وأهمية في تونس والجزائر
والأردن ومصر واليمن وإن دخلت بعد سنوات قليلة في حالة جمود وتراجع، وتبين
الدراسة المسحية السنوية التي تجريها مؤسسة فريدوم هاوس (Freedom House)
أنه في عام 2000 حدث تحسن جزئي في مجال الحريات في الكويت وعمان والإمارات
وحافظت الأردن ولبنان واليمن على مستوى تحسن جزئي أيضا.
ويعتبر التقرير أنه لا توجد دولة عربية تتمتع بالحرية
وهناك ثلاث دول عربية حرة جزئيا هي الأردن والكويت والمغرب، ومن بين أسوأ
ثلاث عشرة دولة في العالم يوجد خمس دول عربية.
وعلى أية حال فإن الحالة الديمقراطية في العالم العربي
يمكن التعبير عنها بالخريطة التالية:
الأردن: تجرى انتخابات برلمانية حرة، ويسمح
للأحزاب والصحافة بالعمل.
البحرين: تجرى استعدادات لانتخابات برلمانية،
وقد شكل مجلس شورى بالتعيين.
” ربما يكون المد الإسلامي سببا في تراجع الحكومات العربية عن الديمقراطية التي بدأتها وهو أيضا سبب التغاضي الأميركي والأوروبي عن الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي الإسلامي ” |
تونس:
جرت انتخابات برلمانية ورئاسية لكنها لا تعتبر حرة إلا في فترة
محدودة بين عامي 1987- 1989.
الجزائر: جرت انتخاب بلدية وبرلمانية حرة ثم
تراجعت عنها واستولى العسكر على السلطة وإن جرت بعد عام 1992 انتخابات
برلمانية ويسمح للأحزاب السياسية بالعمل عدا جبهة الإنقاذ.
الكويت: تجرى انتخابات برلمانية وتعد حرة جزئيا.
دول الخليج: عينت مجالس استشارية، لا توجد أحزاب
سياسية.
مصر: تجرى انتخابات برلمانية ويسمح للأحزاب
والصحافة بالعمل عدا الحركة الإسلامية.
اليمن: تجرى انتخابات برلمانية ويسمح للأحزاب
والصحافة بالعمل.
المغرب: تجرى انتخابات برلمانية ويسمح للأحزاب
والصحافة.
السودان: جرى انتقال سلمي للسلطة عام 1986 هو
الوحيد في الوطن العربي منذ الستينات وحتى نهاية القرن ثم أطيح بالحكومة
المنتخبة، وأجريت فيما بعد انتخابات نيابية ويسمح للأحزاب السياسية بالعمل.
موريتانيا: تجرى انتخابات نيابية ويسمح للأحزاب
بالعمل.
لبنان: تجرى انتخابات نيابية وتشكل الأغلبية
الحكومة.
ليبيا والعراق وسورية: تجرى انتخابات لا تغير
شيئا إلا قليلا من حقيقة الوضع القائم على الاستبداد والفردية.
وقد تكون المغرب في الفترة الأخيرة هي أكثر الدول العربية
تقدما.
” تتبنى مجموعات من الإسلاميين موقفا معاديا للديمقراطية معتبرة إياها فسلفة غربية تتناقض مع الإسلام ومبادئه ولارتباطها بالغرب بما يعنيه ذلك من احتلال وعلمانية وتغريب ” |
وقد واجهت أنظمة
الحكم ضغوطا عدة مستمدة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ومن الطبقات
الوسطى، وتنامي المجتمع المدني، وتحولات الرأي العام بعد الإحباط والهزائم
الذي تسببت به الأنظمة الثورية والقومية، والتحولات الكبرى التي جرت في
الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وتطور وسائل الإعلام والاتصالات.
خريطة المد الإسلامي
استطاع
الإسلاميون تحقيق نجاحات كبيرة في كل انتخابات تجرى في العالم العربي،
نيابية أو نقابية أو بلدية.
مصر
شارك الإخوان المسلمون في الانتخابات
النيابية التي جرت عام 1984 بالمشاركة مع حزب الوفد وحصلوا على ثمانية
مقاعد في مجلس الشعب، ثم شارك الإخوان في تحالف مع حزب العمل وحزب الأحرار
وكان نصيبهم 37 مقعدا في المجلس، وتعرض الإخوان عام 1995 لتضييق واعتقالات
واسعة لمنع نجاحهم في الانتخابات وتكرر الأمر نفسه عام 2000 وإن تمكن
الإخوان برغم ذلك من إحراز 17 مقعدا في المجلس النيابي.
السودان
جرت انتخابات نيابية عام 1986 بعد أكثر
من ستة عشر عاما من الحكم العسكري وحصلت الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي
على 51 مقعدا وكانت الحركة الإسلامية في المرتبة الثالثة بعد الحزبين
التقليديين في السودان وهما الأمة والاتحاد، وفي عام 1989 استولت الجبهة
الإسلامية على الحكم بانقلاب عسكري وأجريت انتخابات نيابية عام 1996 فاز
فيها عمر البشير رئيسا، وسيطر حزب المؤتمر الشعبي الذي يترأسه الترابي على
الحكم بحصوله على أغلب مقاعد البرلمان وانتخب الترابي رئيسا للبرلمان.
وفي عام 1999 انقسم حزب المؤتمر على نفسه وانفجر خلاف حاد
بين قطبي النظام، الرئيس عمر البشير ورئيس البرلمان حسن الترابي، وأودع
الترابي في السجن ثم الإقامة الجبرية.
” دفعت التجربة غير المشجعة لأنظمة الحكم العربية والهزائم والانتهاكات التي ارتكبت باسم الديمقراطية بعض الحركات الإسلامية لرفض الديمقراطية ” |
الكويت
حقق
الإسلاميون (إخوان مسلمون وسلفيون وشيعة) مكاسب معقولة في الانتخابات
النيابية التي جرت عام 1985، وفي عام 1992 حصل الإسلاميون على 19 مقعدا من
بين خمسين مقعدا وحافظوا على هذه المكاسب عام 1996، 1999.
لبنان
حصل حزب الله عام 1992 على اثني عشر
مقعدا مخصصة للمسلمين، وتراجعت نسبة التمثيل في البرلمان التالي، ولكن حزب
الله حقق حضورا قويا وكاسحا بسبب مقاومته للاحتلال الإسرائيلي وهزيمته في
جنوب لبنان.
تونس
جرت انتخابات برلمانية عام 1989 فاز فيها
الحزب الدستوري بجميع المقاعد وإن أحرز الإسلاميون 14% من الأصوات، 30% من
الأصوات في المدن. وحظر حزب النهضة الإسلامي في تونس وتعرض أعضاؤه للاعتقال
والحرمان.
اليمن
حقق الإسلاميون في اليمن حصة كبيرة
تقارب النصف من مقاعد المجلس الاستشاري في الانتخابات التي جرت عام 1988
وفي عام 1993 حصل التجمع اليمني للإصلاح (الحركة الإسلامية) على 62 مقعدا
وكان الثاني بعد حزب المؤتمر الشعبي الحاكم الذي حصل على 131 مقعدا وكان
الثالث بعدهما هو الحزب الاشتراكي الذي حكم اليمن الجنوبي قبل الوحدة مع
اليمن عام 1990 وبعد حرب الانفصال تحالف الإصلاح مع المؤتمر وحل مكان
الاشتراكي في الحكومة وتسلم تسع حقائب وزارية، وفي عام 1997 حصل الإصلاح
على 54 مقعدا.
” الحركة الإسلامية الرئيسة ممثلة بالإخوان المسلمين ويؤيدها عدد كبير من المفكرين والعلماء الإسلاميين تتخذ موقفا مؤيدا للديمقرطية مع التحفظ على ما يناقض منها الشريعة الإسلامية،
” |
الأردن
جرت انتخابات نيابية عام 1989 لأول مرة منذ عام 1967 حصل فيها
الإخوان المسلمون على 22 مقعدا من بين ثمانين مقعدا وحصل الإسلاميون
المستقلون على عشرة مقاعد وفي عام 1993 حصل حزب جبهة العمل الإسلامي على 17
مقعدا وأما الانتخابات التي جرت عام 1997 فقد قاطعها الإخوان والجبهة ولكن
بقيت الحركة الإسلامية هي الأكثر حضورا في الشارع والنقابات والبلديات
واتحادات الطلبة.
الجزائر
حصلت جبهة الإنقاذ الإسلامية على
أكثر من نصف مقاعد الانتخابات البلدية التي جرت عام 1990 متفوقة على
الأحزاب المنافسة الأخرى ومنها حزب جبهة التحرير الحاكم في الجزائر منذ
الاستقلال عام 1962 وفي الانتخابات النيابية التي جرت في ديسمبر/كانون
الأول عام 1991 حصلت جبهة الإنقاذ في الجولة الأولى من الانتخابات النيابية
على 188 مقعدا في حين حصل حزب جبهة التحرير الحاكم على خمسة عشر مقعدا
فقط، وحصل حزب جبهة القوى الاشتراكية على خمسة وعشرين مقعدا ويتوقع أنه لو
جرت الجولة الثانية من الانتخابات لحصلت جبهة الإنقاذ على 250 مقعدا من بين
430 مقعدا، ولكن قادة الجيش استولوا على الحكم واعتقل قادة جبهة الإنقاذ
ثم دخلت البلاد في دوامة عنف راح ضحيتها أكثر من مائة ألف جزائري.
وأجريت انتخابات نيابية ورئاسية عام 1995 استبعد منها
جبهة الإنقاذ وحصل قائد الجيش ووزير الدفاع الأمين زروال على أغلبية
الأصوات وقد نافسه على الانتخابات الرئاسية الشيخ محفوظ نحناح قائد حركة
مجتمع السلم (الإخوان المسلمون) وحصلت حركته على 61 مقعدا نيابيا وشارك في
الانتخابات أيضا حزب النهضة الإسلامي بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله وحصل
على 34 مقعدا، وأجريت انتخابات رئاسية عام 1999 فاز فيها عبد العزيز
بوتفليقة.
وقدمت الأحداث في الجزائر دليلا قاطعا يصعب نفيه على أنه
لن يسمح للإسلاميين بالوصول إلى الحكم عن طريق الانتخابات النيابية.
” أصدر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في عام 1994دراسة على صيغة بيان يؤيد التعددية السياسية وحرية تشكيل الأحزاب السياسية والانتقال السلمي للسطة عن طريق الانتخاب ” |
الحركة
الإسلامية والديمقراطية
تتبنى مجموعات من الإسلاميين
موقفا معاديا من الديمقراطية معتبرة إياها فسلفة غربية تتناقض مع الإسلام
ومبادئه ولارتباطها بالغرب بما يعنيه ذلك من احتلال وعلمانية وتغريب، وربما
أيضا بسبب التجربة غير المشجعة لأنظمة الحكم العربية والهزائم والانتهاكات
التي ارتكبت باسم الديمقراطية.
ولكن الحركة الإسلامية الرئيسة ممثلة بالإخوان المسلمين
ويؤيدها عدد كبير من المفكرين والعلماء الإسلاميين تتخذ موقفا مؤيدا
للديمقرطية مع التحفظ على ما يناقض منها الشريعة الإسلامية، أو هي تؤيد
-حسب الشيخ راشد الغنوشي- ديمقراطية إسلامية تتفق مع مبادئ الديمقراطية
الأساسية القائمة على العدل والحرية والفصل بين السلطات والتداول السلمي
للسلطة وإسناد السلطة إلى الأمة، وتكون المرجعية العليا فيها للشريعة
الإسلامية.
وقد أصدر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في عام
1994دراسة على صيغة بيان يؤيد التعددية السياسية وحرية تشكيل الأحزاب
السياسية والانتقال السلمي للسطة عن طريق الانتخاب.
رؤية مستقبلية
هل ثمة
فرصة لفك الاشتباك القائم بين الحكم والديمقراطية وبين الحركة الإسلامية
وأنظمة الحكم في العالم العربي؟
لقد أثرت على الوطن العربي ظروف داخلية وخارجية باعدت
بينه وبين الديمقراطية والتصالح مع فئات المجتمع وقواه السياسية
والاجتماعية، مثل الفشل الاقتصادي والتنموي والفجوة بين فئات المجتمع
والهيمنة الإعلامية والصراع العربي الإسرائيلي والحرب الباردة والتسوية
السياسية للقضية الفلسطينية والنظام العالمي الجديد.
” قد تتناقض الديمقراطية مع المصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة الأمر الذي يشجع الأنظمة السياسية العربية على الاستمرار في منع الحريات والتعددية ” |
وفي المقابل فإن التقدم
الذي حدث في الأردن والمغرب واليمن ثم في دول أخرى والتوجه العام نحو
التخفيف من القيود السياسية وزيادة الحريات وما تبديه الحركة الإسلامية من
اعتدال وقبول بالتعددية السياسية ومراجعة لمواقفها الفكرية والسياسية تشجع
على فرص تطور سياسي نحو المشاركة السياسية والعامة والتعددية والمصالحة بين
الأنظمة السياسية والحركات الإسلامية.
وقد تتناقض الديمقراطية مع المصالح الأميركية والأوروبية
في المنطقة الأمر الذي يشجع الأنظمة السياسية العربية على الاستمرار في منع
الحريات والتعددية كما أن معارضة أغلبية العرب للتسوية السياسية للصراع
العربي الإسرائيلي على النحو القائم أو المقترح سيجعل الديمقراطية غير
مرغوبة لدى الدول الكبرى والمؤثرة في المنطقة والتي تتمتع بهيمنة عالمية
وترعى هذه التسوية.