الخجل هو تلك الأمواج العاتية ، تقوّض العقل وترهب النفس ، وتجعل من الإنسان حبيس نفسه ،
كلما أراد النهوض لطمته الأمواج فارتد وانتكس ، زهد بكل شيء وتركه لغيره ،حساسيته المفرطة نمّت لديه هذا الشعور
فاستسلم لتلك الأمواج اللعينة واستسلم لصخبها وأنيابها ، وجعلت كل حدث لديه شيء مزعج ، ارتضى العيش وحيدا ، وأصبح خجله مانعا وحاجزا له لأداء حياة أفضل ، ففاتته فرص كثيرة ، فأصبحت حياته لا معنى لها .
هذه الأمواج ماهي إلا وهم تفترس من يراها ، وتبطش به بطشا ، فتقع منه في مقتل ، تائها في غربة ما كانت لتكن لولا هذه النتوءة التي يراها مثل جبل شاهق ، ويخيّل إليه أنه لا مجال لفتح ثقب في هذا السد العظيم ، فيعيش بائسا ويعيش مكسورا .
إن الذي به هذا الخجل الشديد غير المحمود والمستسلم له ، كالذي يعيش وحيدا في جزيرة ، تحيطه الأمواج من كل جانب ، ينوح ويبكي ينتظر سفينة تنكب تحت قدميه لكي تنقذه ، ولا يبادر بعمل شيء ، هذا المسكين الوديع لن يجد من يأخذ بيده ، إن لم يفعل هو بذاته ، فإن السفينة لن تأتيه وسيطول انتظاره ويبقى في مكانه ، إن لم يذهب هو لها .
إن الشخصية قابلة للترويض والتهذيب ، وإن الأمصال تؤخذ من نفس جرثومة المرض ، فمن هذا المبدأ عليه أن يبدأ ، بداية الخلاص من هذا الأسر ، فإن ركوب الأمواج ، والخوض في غمراتها ، يقلل من حدة الخوف منها ، وصناعة قارب ووضع شراع عليه مع إتقانه ، وعزيمة بقوة ريح شديدة ، يسهل عليه اختراق هذه الأمواج ، فكلما اشتدت الريح زادت فرص النجاة، ولا يخلو ذلك من متاعب ، حتى يصل إلى هدوء البحر وانسيابيته .
حينها عندما يمد يده يجد أيادي تأخذ بيده فيسهل إنقاذه ، ويركب سفينة النجاة ، فتكسر عند ذلك قيود العزلة ، ويغلق باب الخجل قهرا ، فيزيده ذلك قربا من الناس وبعدا عن وهم لا أساس له .
إن الحياة لا تقبل إلا من يتفاعل معها ، ولا تستجيب إلا لطالبها ، ولا تعطي إلا لمن يعطيها عزيمة وإصرارا ، فمن فاته قطارها فكأنه بالدنيا لم يكن ، ويكون المقبور أحيا منه .