الصوت الحر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصوت الحر

(( نور الوطن ضيائنا .. مج ـــد الوطن طريقنا ))
 
الرئيسيةاغلاق كاملأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم كمال
Progress | 10%
Progress | 10%
ابراهيم كمال


النوع : ذكر
الدولة : مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Ye10
عدد المساهمات : 176
نقاط المكتسبه : 27666
التقييم : 5
المزاج : فل
الأوسمة :
مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ 10010

مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Empty
مُساهمةموضوع: مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ   مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Emptyالثلاثاء يونيو 01, 2010 7:41 pm

[size=18]
مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ 5464564
مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ

إن أمر التصوف كله مختلف فيه
, فكما أختلف في أصله واشتقاقه , وحده وتعريفه , بدئه وظهوره , وفي أول من
تسمى به وتلقب به , كذلك اختلف في منبعه ومأخذه , ومصدره ومرجعه , فتشعبت
الآراء وتنوعت الأقوال , وتعددت الأفكار , فقال قائل : إنه إسلامي بحت في
أشكاله وصوره , ومبادئه ومناهجه , وأصوله وقواعده , وأغراضه ومقاصده , حتى
في ألفاظه وعباراته , وفلسفته وتعاليمه , ومواجيده وأناشيده , ومصطلحاته
ومدلولاته , وهذا هو إدعاء الصوفية ومن والاهم , وناصرهم , ودافع عنهم .

وقال
قوم : لا علاقه له بالإسلام إطلاقا , قريبة ولا بعيدة في اليوم الذي نشأ
فيه , ولابعد ماتطور , وهو أجنبي عنه كاسمه , فلذلك لا يفتش عن مصادره
ومآخذه في القرآن والسنة وإرشاداتهما , بل يبحث عنها في الفكر الأجنبي ,
وهو رأي أكثر السلفيين ومن نهج منهجهم وسلك مسلكهم وكذلك الفقهاء
والمتكلمين من أهل السنة من المتقدمين , والأكثرية الساحقه من المستشرقين ,
والكثير من الباحثين والمفكرين المتحررين من الجمود وعصبية التقليد , من
المتأخرين .

وقالت طائفة : إنه اسم للزهد المتطور بعد القرون
المشهود لها بالخير كردّ فعل لزخرفة المدينة وزينتها التي انفتحت أبوابها
على المسلمين بعد الغزوات والفتوحات وانغماسهم في ترف الدنيا ونعيمها , ثم
حصلت فيه التطورات , ودخلت أفكار أجنبية والفلسفات غير الإسلامية وذهب إلى
هذا الرأي ابن تيمية والشوكاني من السلفيين وغيرهم من بعض أعلام أهل السنة ,
حتى الصوفية أنفسهم وبعض المستشرقين .

وقال الآخرون : إن التصوف
وليد الأفكار المختلطة من الإسلام واليهودية والمسيحية ومن المانوية
والمجوسية والمزدكية , وكذلك الهندوكية والبوذية , وقبل كل ذلك من الفلسفة
اليونانية وآراء الأفلاطونية الحديثية , وتمسك بهذا الرأي بعض الكتّاب في
الصوفية من المسلمين وغير المسلمين .

فهذه هي خلاصة الاختلاف
والآراء المختلفة في أصل التصوف ومأخذه , ننقاشها في هذا الباب , وندعم
رأينا الذي نراه من بين هذه الآراء المتعددة , بالأدلة والشواهد , الخارجية
منها والداخلية , فنقول : إن أفضل طريق للحكم على طائفة معينة وفئة خاصة
من الناس هو الحكم المبني على آرائه وأفكاره التي نقلوها في كتبهم المتعمدة
والرسائل الموثوق بها لديهم بذكر النصوص والعبارات التي يبني عليها الحكم ,
ويؤسس عليها الرأي ولا يعتمد على أقوال الآخرين ونقول الناقلين , اللهم
إلا للاستشهاد على صحة استنباط الحكم وإستنتاج النتيجة .

وهذه
الطريقة ولو أنها طريقة وعرة شائكة , صعبة مستعصبة , وقل من يختارها
ويسلكها , ولكنها هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيها العدل
والإنصاف .

وعلى ذلك عندما نتعمق في تعاليم الصوفية الأوائل
والأواخر , وأقاويلهم المنقولة منهم , والمأثورة في كتب الصوفية , القديمة
والحديثة نفسها , نرى بونا شاسعا بينهما وبين تعاليم القرآن والسنة , وكذلك
لا نرى جذورها وبذورها في سيرة سيد الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه
وأصحابه الكرام البررة خيار خلق الله وصفوة الكون , بل بعكس ذلك نراها
مأخوذة مقتبسة من الرهبنة المسيحية , والبرهمة الهندوكية , وتنسك اليهودية ,
وزهد البوذية , والفكر الشعوبي الإيراني المجوسي عند الأوائل , والغنوصية
اليونانية والأفلاطونية الحديثة لدى الذين جاءوا من بعدهم , وتدل على ذلك
تعريفات القوم للتصوف , التي نقلناها عن كبارهم فيما سبق .
وكما تنطق
وتشهد تعاليمهم التي هي بمثابة الأسس للتصوف , والضوابط لمن يدخل في
طريقتهم .

فنبدأ أولا بإبراهيم بن أدهم , وهو من الطبقة الأولى
وأئمة التصوف الأوائل , وكثيراً ما تبدأ كتب طبقات الصوفية بذكره واسمه ,
ولا يخلوا كتاب من كتب التصوف وسيرته .

ومما يذكر بيانا لشأنه
الرفيع ومكانته السامية أنه كان من أبناء الملوك وملكا لبلخ , وتزوج من
امرأته جميلة , وله ولد , ولكنه ترك الملك والزوجة والأولاد , وكل من كان
يملكه , للنداء الغيبي , أو للقاء الخضر الذي لقنه ذلك , مثل ما ترك بوذا
ملكه وزوجته , وأبنه وملاذ الدنيا وزخارفها طبقا بطبق , وحذو القذة بالقذة ,
خلافا لتعاليم الإسلام وأسوة الرسول وسيرة الصحابة , ولا يوجد له أي مثال
في الكتاب ولا في السنة , ولا من السلف الصالح ومع ذلك يبجّل الصوفية ذكره ,
ولذلك يجعلونه قدوة يقتدى , ومثالا يحتذى , ويفتخرون بذكره وأحواله , مع
أن أحواله تلك ليست إلا ناطقة بالبوذية المنسوخة الممسوخة التي لم ينزل
الله بها من سلطان .
فنود أن نورد تلك الحكاية الصوفية الباطلة , من
التصوف القديم الأصيل , ومن الصوفي الذي يعدّ من الأعلام والأقطاب مقارنة
بقصة بوذا , المنقولة من الكتب البوذية , ولبيان أنها تشتمل على ترهات
وأكاذيب فاحشة مكشوفة تنطق بكونها مختلفة موضوعة مكذوبة , وننقل هذه القصة
من تذكرة صوفية قديمة ( تذكرة الأولياء ) لفريد اليدن العطار , مقتبسين
ترجمتها العربية من صادق نشأت :

( إن إبراهيم بن أدهم كان ملكا لبلخ
, وتحت إمرته عالم , وكانوا يحملون أربعين سيفا من الذهب وأربعين عمودا من
الذهب من أمامه ومن خلفه , وكان نائما ذات ليلة على السرير , فتحرك سقف
البيت ليلا , كأنما يمشي أحد على السطح , فنادى : من هذا .. ؟ فقال : صديق
فقدت بعيرا أبحث عنه على هذا السقف , فقال : أيها الجاهل , أتبحث عن
البعير فوق السطح ...؟ فقال له : وأنت أيها الغافل تطلب الوصول إلى الله في
ثياب حريرية وأنت نائم على سرير من ذهب ...؟ فوقعت الهيبة في نفسه من هذا
الكلام , واندلعت في قلبه نار , فلم يستطع النوم حتى الصباح , وعندما أشرق
الصبح ذهب إلى الإيوان وجلس على السرير متحيرا مفكرا حزينا , ووقف أركان
الدولة كل في مكانه واصطف الغلمان وأذنوا إذنا عاما , فدخل رجل مهيب من
الباب بحيث لم يكن لأي أحد من الخدم أو الحشم الجرأة على أن يقول له من أنت
, ولم ينبسوا ببنت شفه , وتقدم الرجل حتى واجه سرير إبراهيم , فقال له :
ماذا تريد ..؟ قال : أنزل في هذا الرباط , قال : ليس هذا برباط , إنما هو
قصري , وإنك لمجنون , فقال : لمن كان هذا القصر قبل هذا ؟ قال : كان لأبي ,
قال وقبل ذلك , قال : كان ملكا لجدي ... وقبل ذلك ؟ قال : ملكا لفلان ,
قال : أو ليس الرباط هو ما يحل به أحد و يغادره الآخر .. ؟ قال هذا و
اختفى , وكان هو الخضر عليه السلام , فازدادت حرقة روح إبراهيم ولوعته ,
وازداد ألمه حدة نتيجة لهذه الحال , وازدادت هذه الحال من واحد إلى مائة
ضعف , إذ أنه رأى أنه قد اجتمع ما شاهده نهارا مع ما وقع ليلا ولم يعرف
مما سمع , ولم يعلم ماذا رأى اليوم , فقال : أسرجوا الجواد لأني أريد
الذهاب للصيد , فقد حدث لي اليوم شيء لست أدري ما هو , فيا إلهي إلى أين
تنتهي هذه الحال ... ؟ فأسرجوا له جوادا , وتوجه للصيد , فكان يتجول في
البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل , فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من
الدهش , فسمع صوتا في الطريق يقول له : انتبه , فانتبه , ولم يصغ إليه ,
وذهب وجاءه هذا النداء للمرة ثانية , فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك
النداء , فأبعد نفسه عنه , وسمع للمرة الرابعة من يقول : ( انتبه قبل أن
تنبه ) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها , فأخذت الغزالة
تخاطبه قائلة : إنهم بعثوني لصيدك , وإنك لن تستطيع صيدي , ألهذا خلقت ؟ أو
بهذا أمرت ؟ إنك خلقت للذي للذي تعمله وليس لك عمل آخر , فقال إبراهيم :
ترى ما هذه الحال ....؟ وأشاح بوجهه عن الغزالة , فأرتفع نفس ذلك الصوت
الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج , فوقر في نفسه الخوف والفزع
وأزداد كشفا , وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث
مرات أخر من حلقة جيبه , وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال , وأنفتح عليه
الملكوت ونزل , وحصل له اليقين , فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه ,
وتاب توبة نصوحا , وانتحى ناحية من الطريق , فرأى راعيا يرتدي لبادا , وقد
وضع قلنسوة من اللباد على رأسه , وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه
ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على
وجهه ينوح من ذنوبه , ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور , فأخذ يبحث عن
زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة
أعوام .

ومن ذا الذي يعلم ما كان يفعله هناك في الليل والنهار , إنه
ينبغي أن يكون رجلا عظيما ذا مادة واسعة حتى يستطيع الإقامة في مثل ذلك
المكان , وصعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاهر الغار وجمع حزمة حطب واتجه في
الصباح إلى نيسابور حيث باعها , وصلى الجمعة واشترى بثمن الحطب خبزا ,
وأعطى نصفه لفقير وتناول النصف الآخر , وأتخذ منه إفطاره وداوم صيامه حتى
الأسبوع التالي , وبعد أن وقف الناس على شأنه هرب من الغار وتوجه إلى مكة ,
وقيل أنه بقي أربعة عشر عاما يطوي البادية حيث كان يصلي ويتضرع طوال
الطريق حتى أشرف على مكة , وروي أنه كان له طفل رضيع عند مغادرته بلخ ,
ولما أيفع طلب من أمه أباه , فقصت له الأم الحال قائلة : إن أباك قد تاه ,
ونقل عنه أنه قال : عندما كنت أسير في البادية متوكلا , ولم أتناول شيئا
مدة ثلاثة أيام جاءني إبليس وقال : أنت ملك , وتركت هذه النعمة لتذهب جائعا
إلى الحج ...؟ لقد كان بمقدورك الحج بعز وجلال حتى لا يصيبك كل هذا الأذى ,
قال : عندما سمعت هذا الكلام منه رفعت صوتي وقلت : إلهي ‍‍!! سلطت العدو
على الصديق حتى يحرقني فأغثني حتى أستطيع قطع هذه البادية بعونك , فسمعت
صوتا يقول : يا إبراهيم ‍! ألق ما في جيبك حتى تكشف ما هو في الغيب فمددت
يدي إلى جيبي فوجدت أربعة دوانيق فضية كانت قد بقيت منسية , ولما رميتها
جفل إبليس مني وظهرت قوة من الغيب ) .

وورد ذكره وحكايته أيضا في (
طبقات الصوفية ) للسلمي .
وفي ( حلية الأولياء ) للأصبهاني .
وفي
( الرسالة ) للقشيري .
وفي ( جمهرة الأولياء ) للمنوفي الحسيني .
وفي
( نفحات الأنس ) للجامي .
وفي ( طبقات الأولياء ) لابن الملقن
المتوفى 804 هـ .
وفي ( الطبقات الكبرى ) للشعراني .

فهذه
هي قصة إبراهيم بن أدهم , وفيها ما فيها من ترك الأهل والزوج والولد بدون
جريمة إرتكبوها , وإثم اقترفوه , خلافا لأوامر القرآن وإرشادات الرسول صلى
الله عليه وسلم , المشهورة المعروفة شبها ببوذا , وهاهي خلاصة قصته :

(
وكانت قبيلة ساكياس تقطن في شمال بنارس , وهي التي ولد فيها أواسط القرن
السادس قبل الميلاد , وقد مات في سنة 478 قبل الميلاد بعد أن عمر ثمانين
عاما . وتزوج بوذا في سن التاسعة عشرة ابنة عمه , وكان في رغد وسعادة .
وبينما كان يسير يوما إلى الصيد وهو في التاسعة والعشرين شاهد رجلا قد بلغ
من كبر سنه منتهى الضعف والعجز , ورأى في وقت آخر شخصا مبتلى بمرض استعصى
علاجه ويحتمل الآلام وبعد مدة أخرى تأثر واشمأز لرؤية منظرا كريها لجثة في
حالة من الفساد , وكان خادمه وصاحبه الوفي المسمى ( جانا ) يذكره وينبهه في
كل هذه الحالات ويقول له : ( هذا هو مصير حياة البشر ) وشاهد بوذا أحد
النساك يمر عليه وهو في منتهى الراحة والأبهة والكرامة فسأل جانا ما حال
هذا الرجل .. ؟ فحكى له جانا تفصيلا عن أخلاق الزهاد الذين أعرضوا عن كل
شيء وعن أحوالهم , وقال له : إن هؤلاء الجماعة في سير وأرتحال دائم وهم
يعلمون الناس أثناء سياحتهم ورحلاتهم تعاليم هامة بالقول والعمل .
والخلاصة
أنه برغم إختلاف الروايات لا شك في أن ذهن هذا الأمير الشاب قد أخذ يضطرب
تدريجيا وينفر من الحياة وضوضائها .

ووفد عليه رسول يوما في أثناء
أزماعه العودة من النزهة وبشره بميلاد ولد هو أول مولود له , فقال بوذا
لنفسه في تلك الحالة النفسية المضطربه دون أن يشعر : ( ما هي ذي رابطة
جديدة تربطني بالدنيا ) . والخلاصة أنه عاد إلى المدينة بينما كان المطربون
يلتفون حوله . فطرب ورقص في تلك الليلة أقاربه وذوو رحمه فرحا بالمولود
الجديد . لكن بوذا كان من الامتعاض والاضطراب بحيث لم يكترث بتلك الأوضاع
أبدا . وأخيرا نهض من فراشه في آخر الليل كمن التهمت النار داره وأوعز إلى
جانا أن يحضر له الفرس ومد رأسه في هذه الأثناء إلى غرفة زوجته وولده
الوحيد من غير أن يوقظهما وعلى العتبة أخذ على نفسه عهدا ألا يعود إلى داره
ما لم يصبح ( بوذا ) أي ( حكيما مستنيرا ) وقال :
( أذهب لأعود إليكم
معلما وهاديا لا زوجا ووالدا ) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري ,
وفي هذه اللحظة ظهر في السماء ( مارا ) أي الوسواس الكبير ( إبليس أو
النفس الأمارة ) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه
لكنه لم يقع في شرك الوسوسة . فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ
النهر ثم وهب لجانا جوهره وملابسه الفاخره وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها
في غابة ثم التحق إلتحق بخدمة برهمي يدعى ( الارا ) كان في تلك البقعة
وأختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى ( أودراكا ) وتعلم من هذين الرجلين
حكمة وعلوم الهند كلها , ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد
الجبال , وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة
والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية , فاعتزم لهذا أن يهجر
ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه وعجزه , وغاب عن وعيه
بحيث ظن تلاميذه أنه فارق الحياة , ولكنه عاد إلى رشده فترك الرياضات
الشاقة منذ ذلك الحين وأخذ يأكل طعامه بانتظام , ولما رأى التلاميذ الخمسة
الذين كانوا في صحبته أنه مل من الرياضة نفضوا أيديهم من إحترامه وتركوه
وذهبوا بنارس .

أما بوذا فإنه ترك ملذات الدنيا وثروتها والمقام
فيها حتى ينال الضمير والطمأنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الآخرين
فلم يستطع أن ينال بتلك الرياضة والتوبة طمأنينة القلب التي كان يصبوا
إليها والحاصل أنه بقي حيران في أمره ذاهلا وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق
فيه عن تلامذته مكث بوذا تحت شجرة يتأمل ويفكر في نفسه , ماذا يعمل ... ؟
وأي طريق يتبع .. ؟ وهاجمته وساوس كثيرة وتاقت نفسه إلى الزوجة والولد
والجاه والثروة والترف والنعيم , واستمر هذا الكفاح والجهاد مع النفس حتى
غروب الشمس . ونتيجة لهذا الكفاح اتصل ( بنير فانا ) وتأكد لديه أنه أصبح (
بوذا) أي أنه نال الإشراق واستنار , وحينئذ نال بوذا ما كان يصبو إليه من
الراحة والطمأنينة . لذلك عزم أن يمارس الإرشاد . وأن يعرض رغبته على
الآخرين , وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ
الأمر أستاذيه ( الارا ) و ( أودراكا ) ولكنه علم بعد , بأنهما قد توفيا ,
فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه , وآمن به أبوه
وأمه وزوجته كذلك , ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس )
.

فهذه هي خلاصة قصة بوذا , وهي عين ما ذكره الصوفية عن
إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش ,
وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة , وتلك صورة طبق لأصل لما كانوا
قد سمعوه عن حياة بوذا .

ثم علّق عليه الدكتور قاسم غني الباحث
الإيراني بقوله :

( وحدس ( جولدزيهر ) يمكن أن يكون صحيحا وهو من
الأحتمالات القريبة من الواقع , وقد شوهدت لها نظائر كثيرة – إلى أن قال -
: وإذا ما قارن أحد بين قصة بوذا كما وردت في مدونات البوذيين بقصة
إبراهيم بن أدهم ذات الطابع الأسطوري , الواردة في كتب تراجم العارفين مثل (
حلية الأولياء ) للأصفهاني , و ( تذكرة الأولياء ) للشيخ العطار وجد شبها
عجيبا بين تلك القصتين يستلف نظرة ) .

هذا وهناك أقوال لإبراهيم
بن أدهم وغيره من كبار الصوفية وأقطابهم في الزواج والأولاد تخبر بجلاء عن
مواردها ومنابعها , فها هي تلك الأقوال من أهم كتب الصوفية :
ينقل
الطوسي والعطار عن إبراهيم بن أدهم أنه قال :
( إذا تزوج الفقير فمثله
مثل رجل قد ركب السفينة , فإذا ولد له ولد قد غرق ) .

ونقل
السهروردي عنه أنه قال : ( من تعود أفخاذ النساء لا يفلح ) .
ونقل أبو
طالب المكي - وهو من أعلام الصوفية البارزين وأئمتهم المتوفى سنة 386 هـ –
عن قطب من أقطاب الصوفية الأوائل عن أبي سليمان الداراني المتوفى سنة 215
هـ :
( من تزوج فقد ركن إلى الدنيا ) .
ونقل السهروردي في (
عوارفه ) الذي هو أشهر كتاب في التصوف عن أبي سليمان الداراني أيضا أنه قال
: ( ما رأيت أحدا من أصحابنا تزوج فثبت على مرتبته ) .


عدل سابقا من قبل ابراهيم كمال في الثلاثاء يونيو 01, 2010 7:58 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
tamer
Progress | 10%
Progress | 10%
tamer


النوع : ذكر
الدولة : مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Bh10
عدد المساهمات : 166
نقاط المكتسبه : 27346
التقييم : 5
المزاج : رايق
الأوسمة :
مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ 10010

مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Empty
مُساهمةموضوع: رد: مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ   مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Emptyالثلاثاء يونيو 01, 2010 7:56 pm

ابراهيم
ممكن طلب ؟
قلل الموضوع او جزئوا علي ردود عشان نعرف نقرا
والله ما عارف اقرا بجد
بس موضوع روعه لكن مش عارف اخلصوا
شكرا يا شيخنا علي القضيه والتصوف ده حاجه غلط في غلط احنا ناس سنيين سلفيين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابراهيم كمال
Progress | 10%
Progress | 10%
ابراهيم كمال


النوع : ذكر
الدولة : مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Ye10
عدد المساهمات : 176
نقاط المكتسبه : 27666
التقييم : 5
المزاج : فل
الأوسمة :
مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ 10010

مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Empty
مُساهمةموضوع: رد: مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ   مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Emptyالثلاثاء يونيو 01, 2010 7:59 pm

ونقل
المكي عن سيد الطائفة الجنيد البغدادي أنه قال : ( أحب للمريد
المبتدي أن
لا يشغل قلبه بالتزوج ) .

كما نقل عن بشر بن
الحارث أنه قيل له : (
إن الناس يتكلمون فيك , فقال : وما عسى يقولون ؟
قيل : يقولون : إنك تارك
السنة يعنون النكاح .
فقال : قل لهم : إني
مشغول بالفرض عن السنة , وقال
مرة : ما يمنعني من ذلك إلا آية في كتاب
الله تعالى قوله : { ولهن مثل
الذي عليهن } , و لعسى أن لا أقوم بذلك
, وكان يقول : لو كنت أعول دجاجة
لخفت أن أكون جلاداً على الجسر هذا .
يقوله في سنة عشرين ومائتين والحلال
والنساء أحمد عاقبة , فكيف بوقتنا
هذا ؟
فالأفضل للمريد في مثل زماننا
هذا ترك التزويج ) .

ويقول
السهروردي :
( التزوج انحطاط من
العزيمة إلى الرخص , وجوع من
الترمح إلى النقص , وتقيدا بالأولاد والأزواج ,
ودوران حول مظان
الاعوجاج , والتفاف إلى الدينا بعد الزهادة , وانعطاف على
الهوى بمقتضى
الطبيعة والعادة ) .
ثم نقل حديثا مكذوبا على رسول الله
صلى الله
عليه وسلم أنه قال :
( خيركم بعد المائتين رجل خفيف الحاذ ,
قيل :
يا رسول الله وما خفيف الحاذ ؟ . قال : الذي لا أهل له ولا ولد .
وقال
بعض الفقراء - لما قيل له : تزوج - : أنا إلى أن أطلق نفسي أحوج
مني
إلى التزوج ) .

وصوفي آخر محمد بن إبراهيم النفزي الرندي
المتوفى
سنة 792 هـ ينقل عن صوفي قديم آخر , وهو سهل بن عبد الله التستري
أنه
قال :
( إياكم والاستمتاع بالنساء , والميل إليهن , فإن النساء
مبعّدات
من الحكمة , قريبات من الشيطان , وهي مصايده وحظه من بني آدم , فمن

عطف إليهن بكليته فقد عطف على حظ الشيطان , ومن حاد عنهن يئس منه , وما
مال
الشيطان إلى أحد كميله إلى من استرق بالنساء , وإن الشر معهن حيث كنّ ,
فإذا رأيتم في وقتكم من قدركن إليهن فايأسوا منه .

قيل له : فحديث
النبي
صلى الله عليه وسلم : حبّب إليّ من دنياكم ثلاث , فذكر النساء ؟ .
فقال
: النبي صلى الله عليه وسلم معصوم , وقد بلّغكم ما كان فيه معهن , هي
عدوّة
الرجل ظاهرا وباطنا , إن ظهرت له لمحبة أهلكته , وإن أضمر تهاله ,
وإن
الله عز وجل جعلهن فتنة , فنعوذ بالله من فتنتهن ) .

ونقل عن
صوفي آخر حذيفة المرعشي المتوفى 207 هـ أنه قال :

( كان ينبغي
للرجل
لو خيّر بين أن يضرب عنقه , وبين أن يتزوج امرأة في الفتنة لاختار
ضرب
العنق على تزويج امرأة في الفتنة ) .
ونقل ابن الملقن سراج
الدين
أبو حفص عمر علي المصري المتوفى 804 هـ في كتابه عن أحد كبار الصوفية
:
(
ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير ) .
ونقل الشعراني عن رباح
بن
عمرو القيسي - من الصوفية الأوائل - أنه قال : لا يبلغ الرجل إلى
منازل
الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة , وأولاده كأنهم أيتام , ويأوي
إلى
منازل الكلاب .

وكتب صوفي قديم آخر , وهو أبو الحسن علي
الهجويري
المتوفى قريبا سنة 465 هـ قصة غريبة في العزلة والتجرد نقلا عن
إبراهيم
الخواص أنه قال :
( وصلت إلى قرية بقصد زيارة عظيم كان هنالك ,
ولما
ذهبت إلى داره رأيت بيتا نظيفا مثل معبد الأولياء , وقد جعل في
زاويتين
من البيت محرابين , وجلس في أحدهما شيخ , وفي الآخر عجوز نظيفة
وضيئة ,
وقد ضعف كلاهما من كثرة العبادة , فأظهر السرور بقدومي , وبقيت
هنالك
ثلاثة أيام , ولما أردت العودة سألت الشيخ : من تكون لك تلك العفيفة ؟

قال : هي من ناحية ابنه عمي , ومن ناحية أخرى زوجي , فقلت : رأيتكما خلال
هذه
الأيام الثلاثة كالغربيين تماما في الصحبة , قال : نعم , منذ خمسة
وستين
عاما ونحن كذلك فسألته عن سبب ذلك , فقال : إعلم إننا كنا عاشقين
لأحدنا
الآخر في الصغر , ولم يكن أبوها يعطيها لي لأن محبتنا صارت معروفة ,

فتحملت ذلك حتى توفى أبوها , وكان والدي عمها , فزوجها لي , فلما كانت
الليلة
الأولى من تلاقينا قالت لي : أنت تعلم أية نعمة أنعمها الله علينا
إذ
أوصل كلامنا إلى الآخر , وأفرغ قلبينا من القيود والآفات السيئة , فقلت :
نعم , قالت : فلنمنع أنفسنا الليلة عن هوى النفس , وندس على مرادنا ,
ونعبد
الله شكراً على هذه النعمة , فقلت : هذا صواب , وقالت هذا نفسه في
الليلة
التالية . وقلت أنا في الليلة الثالثة : لقد أدينا الشكر ليلتين من
أجلك
, فلنقض ليلتين أيضا في العبادة من أجلي . وقد تمت الآن خمسة وستون
عاما
لم يمس أحدنا الآخر , ونحن نقضي كل العمر في شكر النعمة ) .

وقال
بعد نقلها ونقل أشياء أخرى :
( وفي الجملة : إن أول فتنة قدرت على آدم
في
الجنة كان أصلها امرأة . وأول فتنة ظهرت في الدنيا - أي فتنة هابيل
وقابيل
- كانت أيضا بسبب امرأة . وحين أراد الله تبارك وتعالى أن يعذب
إثنين
من الملائكة جعل سبب ذلك امرأة . وهن جميعا إلى يومنا هذا سبب جميع
الفتن
الدينية والدنيوية , لقوله عليه السلام : ( ما تركت بعدي فتنة أضر
على
الرجال من النساء ) , فإذا كانت فتنتهن بهذا القدر في الظاهر , فكيف
تكون
في الباطن ؟
وأنا علي بن عثمان الجلابي , من بعد أن حفظني الحق
تعالى
من آفة الزواج أحد عشر عاما , قدر أن وقعت في الفتنة , وصار ظاهري
وباطني
أسير الصفة التي كانوا عليها معي , دون أن تكون هنالك رؤية , وقد
استغرقت
في ذلك عاما , بحيث كان يفسد على ديني , إلى أن بعث الحق تعالى
بكمال
فضله وتمام لطفه عصمته لاستقبال قلبي المسكين , ومنَّ عليّ بالخلاص
برحمته
, والحمد لله على جزيل نعمائه .

وفي الجملة فإن قاعدة هذا
الطريق
وضعت على التجريد , وعندما جاء التزويج اختلف أمرهم , ولا يوجد أي
عساكر
الشهوة إلا ويمكن إخماد ناره بالاجتهاد , لأن الآفة التي تنشأ منك
تكون
آلة دفعها معك أيضا , ولا يلزم الغير حتى تزول عنك تلك الصفة .

وزوال
الشهوة يكون بشيئين : واحد يدخل تحت دائرة التكلف , وواحد يخرج عن دائرة
الكسب
والمجاهدة , فما يدخل في تكلف الآدمي ومقدوره هو الجوع , وأما ما
يخرج
من التكلف الهمم , وتنشر المحبة سلطانها في أجزاء الجسد , وتعزل كل
الحواس
عن أوصافهم , وتجذب كل العبد , وتغني عنه الهزل .

وإن
الحمد
بن حماد السرخسي , الذي كان رفيقي في ما وراء النهر , رجلا محتشما ,
قيل
له : أبك حاجة إلى التزويج , قال : لا , قالوا : لم ؟ قال : إنني في
حالي
إما أن أكون غائبا عن نفسي , وإما أن أكون حاضرا بنفسي . وحين أكون
غائبا
لا أفكر في الكونين , وحين أكون حاضرا فإنني أجعل نفسي بحيث إذا وجدت

رغيفا تعتبر أنها وجدت ألفا من الحور . فانشغال القلب بكل ما تريده يكون
عظيما
, فتنبه ) .

وذكر السراج الطوسي أيضا قصة صوفي تزوج من
امرأة
فبقيت عنده ثلاثين سنة وهي بكر .
وذكر العطار عن عبد الله بن
خفيف
الصوفي المشهور أنه تزوج أربعمائة امرأة ولكنه لم يجامع واحدة منهن .
وهل
لسائل أن يسأل : ما الغرض الذي كان من نكاحه إياهن ؟ .
والشعراني أيضا
عن صوفي آخر ياقوت العرشي أنه تزوج ابنة شيخه أبي العباس المرسي فمكثت
عنده
ثماني عشرة سنة لا يقربها حياء من والدها ومنها , وفارقها بالموت وهي
بكر
.

ونقل عن الشعراني أيضا عن أحد المتقدمين من الصوفية مطرف بن
عبد الله الشغير المتوفى سنة 207 هـ أنه قال :
( من ترك النساء والطعام
فلابد له من ظهور كرامة ) .

ونقل أيضا في كتابه ( تنبيه
المغتربين
) من أحد الصوفية أنه قال :
من تزوج فقد أدخل الدنيا بيته ...

فاحذروا من التزويج .

وينقل ابن الجوزي عن أبي حامد الغزالي أنه
قال
:
( ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج , فإنه يشغله عن السلوك
ويأنس
بالزوجة , ومن أنس بغير الله شغل عن الله تعالى ) .
هذا ومثل
هذا
كثير .
ولقد بوب الصوفية في كتبهم أبوابا مستقلة في مدح العزوبة وذم
التزويج , وهذا الأمر لا يحتاج إلى بيان أنه لم يأخذه المتصوفة إلا من
رهبان
النصارى ونساك المسيحية الذين ألزموا أنفسهم التبتل , خلافا لفطرة
الله
التي فطر الناس عليها .

تقليدا لهم واتباعا لسنتهم , واقتداء
لمسالكهم
ومشاربهم , مخالفبن أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم
الناسخ
لجميع الشرائع والأديان , المبعوث بمكارم الأخلاق وفضائل العادات ,
فالله
يأمر المؤمنين في محكم كتابه بنكاح النساء مثنى وثلاث ورباع وعند
الخوف
من عدم العدل بواحدة , فيقول جل من قائل :
{ وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلاَّ
تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاء
مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ

فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ
تَعُولُواْ
} .
وقال { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ
وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء
يُغْنِهِمُ
اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
وجعل
الزواج
سببا لحصول السكون والطمأنينة حيث قال عز وجل :
{ وَمِنْ
آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
ورسوله صلوات الله وسلامه عليه
يحذر
المعرضين عنه في حديث طويل أورده البخاري ومسلم من حديث أنس من حديث
أنس
رضي الله عنه أنه قال :
( إن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه
وسلم سألوا أزواج النبي عليه السلام عن عمله في السر فأخبرهم فقال
بعضهم
: لا آكل اللحم , وقال بعضهم : لا أتزوج النساء , وقال بعضهم : لا
أنام
على فراش , وقال بعضهم : أصوم ولا أفطر , فحمد الله النبي عليه الصلاة
والسلام وأثنى عليه , ثم قال : ما بال أقوام قالوا كذا وكذا , لكني أصلي
وأنام
وأصوم وأفطر وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .
وقال
: ( تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) .
وقال
عليه الصلاة والسلام : ( حبب إلى من الدنيا الطيب والنساء , وجعلت قرة
عيني
في الصلاة ) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله
عليه
وسلم أنه قال :
( وفي بضع أحدكم صدقة , قالوا: يأتي أحدنا شهوته
ويكون
فيها له أجر ؟ . قال : أفرأيتم لو وضعه في حرام , هل عليه وزر ؟
قالوا
: نعم . قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) .

وما
أحسن ما قال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمة الله عليه :
(
ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء , النبي عليه الصلاة والسلام تزوج أربع
عشرة امرأة ومات عن تسع , ثم قال : لو كان بشر بن الحارث تزوج قد تم أمره
كله
, لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا , وقد كان النبي
عليه الصلاة والسلام يصبح وما عنده شيء , وكان يختار النكاح ويحث عليه ,
وينهى
عن التبتل , فمن رغب عن عمل النبي عليه الصلاة والسلام فهو على غير
الحق
. ويعقوب عليه السلام في حزنه قد تزوج وولد له . والنبي عليه الصلاة
والسلام
قال : ( حبب إلى النساء ) ) .

فهذه هي تعاليم شريعة
الإسلام
المستقاة من أصلين أساسيين لشرع الله الكتاب والسنة .

وتلك

هي أقوال الصوفية , التي لم يأخذوها من هذا المورد العذب , والمنهل الصافي
, بل أخذوها من الكهنة والبوذية كما مر ذلك , ونساك الجينية , ورهبان
المسيحية
. وأمر أولئك في هذا الباب مشهور ومعروف لا يحتاج إلى كثير من
البيان ,
ولكن لإقامة البرهان ننقل بعض آيات من إنجيل , فقال المسيح :
(

ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات , من استطاع أن يقبل فليقبل
) .

ويقول رسول المسيحيين في رسالته إلى أهل كورنتوس :
( وأما
من جهة الأمور التي كتبتم عنها فحسن للرجل أن لا يمس امرأة ) .

وكذلك
يقول :
( أقول لغير المتزوجين والأرامل : إنه حسن لهم إذا لبثوا كما
أنا
) .
ويقول : ( فأريد أن تكونوا بلاهم . يهتم فيما للرب كيف يرضى
الرب
. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضى امرأته . إن بين الزوجة
والعذراء
فرقا . غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدمة جدا وروحا .
وأما
المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضى رجلها .
هذا أقوله لخيركم
ليس
لكي ألقى عليكم وهقا , بل لأجل اللياقة والمثابرة للرب من دون ارتباك .
ولكن إن كان يظن أنه يعمل بدون لياقه نحو عذرائه إذا تجاوزت الوقت , وهكذا
لزم أن يصبر فليفعل ما يريد . إنه لا يخطئ فيتزوجا . وأما من أقام راسخا
في
قلبه وليس له سلطان على إرادته , وقد عزم على هذا في قلبه أن يحفظ عذراء
فحسنا يفعل . إذن من زوج فحسنا يفعل . ومن لا يزوج يفعل أحسن ) .

هذا
ومثل هذا كثير .
هذه هي تعاليم المسيحية , المنقولة منهم تجاه الزواج ,
ومن هذه التعاليم تأثر وليّ من أولياء المسيحية اوريغن ( ORIGEN ) الذي
يعدونه
أحد القديسين , العائش ما بين 185 و 254 , وجبَّ ذكره .

والجدير
بالذكر أن أحد المتصوفة أتى بمثل هذا العمل , وفعل فعلته فيه كما ذكر
الشعراني
أن عبد الرحمن المجذوب :
( كان رضي الله عنه من الأولياء
الأكابر ,
وكان سيدي على الخواص رضي الله عنه يقول : ما رأيت قط أحدا من
أرباب
الأحوال دخل مصر إلا ونقص حاله إلا الشيخ عبد الرحمن المجذوب , وكان
مقطوع
الذكر قطعه بنفسه أوائل جذبه ) .
وصوفي هندي آخر أيضا فعل ذلك
.

وكتب
هينس ( HANS ) ( أن المسيحيين القدامى كانوا يعدون ترك
الزواج من
الأمور الواجبة والمحببة إلى الله , والمقربة إلى ملكوته ) .

ومن
خصائص المسيحية وتعاليمها ترك الدنيا , والتجرد عن المال , والتجوع ,
وتعري
الأجساد والأعراض عن زينة الحياة , المباحة , وتحريم الطيبات باسم
الانقطاع
إلى الآخرة , ورهبانية ابتدعوها , وتعذيب النفس .
فلقد ورد في

الأناجيل عن المسيح أنه قال :
( لا تكنزوا كنوزا على الأرض , حيث يفسد
السوس
والصدأ , وحيث ينقب السارقون ويسرقون . بل اكنزوا لكم كنوزا في
السماء
حيث لا يفسد سوس ولا صدأ , وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون . لأنه
حيث
يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا ) .

ونقل عنه أيضا أنه قال :
(
لا يقدر أحد أن يخدم سيدين . لأنه إما أن يبغض الواحد ويجب الآخر , أو
يلازم
الواحد ويحتقر الآخر . لا تقدرون أن تخدموا الله والمال . لذلك أقول
لكم
: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون . ولا لأجسامكم بما تلبسون
. أليست الحياة أفضل من الطعام , والجسد أفضل من اللباس . أنظروا إلى طيور
السماء أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن , وأبوكم السماوي يقوتها
. ألستم أنتم بالحري أفضل منها ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته
ذراعا
واحدة , ولماذا تهتمون باللباس , تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا
تتعب
ولا تغزل , ولكن أقول لكم : إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس
كواحدة
منها , فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور
يلبسه
الله هكذا , أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم قليلي الإيمان , فلا
تهتموا
قائلين : ماذا نأكل , أو ماذا نلبس , فإن هذه كلها تطلبها الأمم .
لأن
أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها , لكن اطلبوا أولا ملكوت
الله
وبره , وهذه كلها تزداد لكم .
فلا تهتموا للغد , لأن الغد يهتم
بما
لنفسه . يكفي اليوم شره ) .

وورد في هذا الإنجيل أيضا ( أن
شابا
تقدم إلى المسيح وقال له : أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل به لتكون
لي
الحياة الأبدية ؟ .
فأجابه المسيح ببعض الأجوبة ثم قال له : إن أردت
أن
تكون كاملا فأذهب وبع أملاكك , وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء
وتعال
اتبعني . فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا , لأنه كان ذا أموال كثيرة
.
فقال
يسوع لتلاميذه : الحق أقول لكم , إنه يعسر أن يدخل غني إلى
ملكوت
السماوات , وأقول لكم أيضا : إن مرور جمل من ثقب إبره أيسر من أن
يدخل
غني إلى ملكوت الله ) .

وقال أيضا :
( وكل من ترك بيوتا
أو
اخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولاداً أو حقولا من أجل اسمي
يأخذ
مائة ضعف , ويرث الحياة الأبدية ) .

ونقل عنه أيضا أنه قال :

( لا تكنزوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم , ولا مزودا للطريق ,
ولا
ثوبين , ولا أحذية , ولا عصا ) .
وليس هذا فحسب , بل نقل عنه لوقا
في إنجيله أنه جاءه جموع كثيرة سائرين معه , فالتفت إليهم وقال :
( إن
كان
أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده واخوته وإخوانه حتى
نفسه
أيضا فلا يقدر أن يكون لي تلميذا ) .

وقال أيضا :
( فكذلك
كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذا ) .

وبمثل
ذلك نقل متى في إنجيله :
( لما رأى يسوع جموعا كثيرة حوله أمر بالذهاب
إلى
العبر , فتقدم كاتب وقال له : يا معلم , أتبعك أينما تمضي . فقال له
يسوع
: للثعالب أوجرة , ولطيور السماء أوكار . وأما ابن الإنسان فليس له
أين
يسند رأسه . وقال له آخر من تلاميذه : يا سيد , ائذن لي أمضي أولا
وأدفن
أبي . فقال له يسوع : اتبعني , ودع الموتى يدفنون موتاهم ) .

هذا
ومثل هذا كثير في الأناجيل وأعمال الرسل وغيرها من الكتب المسيحية , وعلى
هذه
التعاليم أسسوا نظام الرهبنة , أي التجرد عن علائق الدنيا ومتطلباتها
وحاجاتها
.
وزادوا عليها تعذيب النفس , وتحمل المشاق والآلام , تعمقا في

التجرد , ومغالاة في تجنب الدنيا , واحتقارا لزخارفها , كما أن هنالك
أسبابا
أخرى لاختيار الرهبنة , فقد ذكر علماء المسيحية الكثيرون وكتابها
وباحثوها
.
وجمع هذه الأقاويل والمقولات ول ديورانت في موسوعته الكبرى (
قصة
الحضارة ) , فيقول : ( لما أن أصبحت الكنيسة منظمة تحكم الملايين من
بني
الإنسان , ولم تعد كما كانت جماعة من المتعبدين الخاشعين , أخذت تنظر
إلى
الإنسان وما فيه من ضعف نظرة أكثر عطفا من نظرتها السابقة , ولا ترى
ضيراً
من أن يستمتع الناس بملاذ الحياة الدنيا , وأن تشاركهم أحيانا في هذا

الاستمتاع , غير أن أقلية من المسيحيين كانت ترى في النزول إلى هذا الدرك
خيانة
للمسيح , واعتزمت أن تجد مكانها في السماء عن طرق الفقر , والعفة ,
والصلاة
, فاعتزلت العالم اعتزالا تاماً . ولربما كان مبشرو أشوكا Ashoka
(
حوالي 250 ق م ) قد جاءوا إليه بنظرية البوذية وقوانينها الأخلاقية ,
ولربما
كان النساك الذين وجدوا في العالم قبل المسيحية أمثال سرابيس
Serapis
في مصر أو جماعات الإسنيين في بلاد اليهود قد نقلوا إلى أنطونيوس

وباخوم المثل العليا للحياة الدينية الصارمة وأساليب هذه الحياة . وكان
الكثيرون
من الناس يرون في الرهبنة ملاذاً من الفوضى والحرب اللذين أعقبا
غارات
المتبربرين , فلم يكن في الدير ولا في الصومعة الصحراوية ضرائب , أو
خدمة
عسكرية , أو منازعات حربية , أو كدح ممل . ولم يكن يطلب إلى الراهب ما
يطلب إلى القسيس من مراسم قبل رسامته , وكان يوقن أنه سوف يحظى بالسعادة
الأبدية
بعد سنين قليلة من حياة السلام .

ويكاد مناخ مصر أن يغري
الناس
بحياة الأديرة , ولهذا غصت بالبرهان النساك الفرادى والمتجمعين في
الأديرة
يعيشون في عزلة كما كان يعيش أنطونيوس , أو جماعات كما كان يعيش
باخوم
في تابن Tabenne وأنشئت الأديرة للرجال والنساء على طول ضفتي النيل ,
وكان بعضها يحتوي نحو ثلاثمئة من الرهبان والراهبات . وكان أنطونيوس ( 251
– 356 ) أشهر النساك الفرادى , وقد أخذ ينتقل من عزلة حتى استقر به المقام
على جبل القلزم القريب من شاطئ البحر الأحمر . وعرف مكانه المعجبون به
فحذوا
حذوه في تعبده ونسكه , وبنوا صوامعهم في أقرب مكان منه سمح لهم به ,
حتى
امتلأت الصحراء قبل موته بأبنائه الروحيين . وقلما كان يغتسل , وطالت
حياته
حتى بلغ مائة وخمساً من السنين , ورفض دعوة وجهها إليه قسطنطين ولكنه

سافر إلى الإسكندرية في سن التسعين ليؤيد أثناسيوس ضد اتباع أريوس , وكان
يليه في شهرته باخوم الذي أنشأ في عام 325 تسعة أديرة للرجال وديراً
واحداً
للنساء . وكان سبعة آلاف من أتباعه الرهبان يجتمعون أحيانا ليحتفلوا

بيوم من الأيام المقدسة , وكان أولئك الرهبان المجتمعون يعملون ويصلون ,
ويركبون
القوارب في النيل من حين إلى حين ليذهبوا إلى الإسكندرية حيث
يبيعون
ما لديهم من البضائع ويشترون حاجياتهم ويشتركون في المعارك الكنسية –

السياسية .

ونشأت بين النساك الفرادى منافسة قوية في بطولة النسك
يتحدث
عنها دوشين Abbe Duchesne بقوله إن مكاريوس الإسكندري ( لم يكن
يسمع
بعمل من أعمال الزهد إلا حاول أن يأتي بأعظم منه ) , فإذا امتنع غيره
من
الرهبان عن أكل الطعام المطبوخ في الصوم الكبير امتنع هو عن أكله سبع
سنين
, وإذا عاقب بعضهم أنفسهم بالامتناع عن النوم شوهد مكاريوس وهو ( يبذل
جهد المستميت لكي يظل مستيقظاً عشرين ليلة متتابعة ) وحدث مرة في صوم كبير
أن ظل واقفا طوال هذا الصوم ليلا ونهارا لا يذوق الطعام إلا مرة واحدة في
الأسبوع
, ولم يكن طعامه هذا أكثر من بعض أوراق الكرنب , ولم ينقطع خلال
هذه
المدة عن ممارسة صناعته التي اختص بها وهي صناعة السلال . ولبث ستة
أشهر
ينام في مستنقع , ويعرض جسمه العريان للذباب السام . ومن الرهبان من
أوفوا
على الغاية في أعمال العزلة , من ذلك سرابيون Serapion الذي كان
يعيش
في كهف في قاع هاوية لم يجرؤ على النزول إليها إلا عدد قليل من الحجاج
. ولما وصل جيروم وبولا إلى صومعته هذه وجدوا فيها رجلا لا يكاد يزيد جسمه
على بضعة عظام وليس عليه إلا خرقة تستر حقويه , ويغطي الشعر وجهه وكتفيه ,
ولا تكاد صومعته تتسع لفراشه المكون من لوح من الخشب وبعض أوراق الشجر .
ومع
هذا فإن هذا الرجل قد عاش من قبل بين أشراف رومة , ومن النساك من كانوا
لا يرقدون قط أثناء نومهم ومنهم من كان يداوم على ذلك أربعين عاما مثل
بساريون
Bessarion أو خمسين عاما مثل باخوم . ومنهم من تخصصوا في الصمت
وظلوا
عددا كبيرا من السنين لا تنفرج شفاههم عن كلمة واحدة . ومنهم من
كانوا
يحملون معهم أوزانا ثقالا أينما ذهبوا . ومنهم من كانوا يشدون
أعضاءهم
بأطواق أو قيود أو سلاسل , ومنهم من كانوا يفخرون بعدد السنين التي
لم
ينظروا فيها إلى وجه امرأة . وكان النساك المنفردون جميعهم تقريبا
يعيشون
على قدر قليل من الطعام . ومنهم من عمروا طويلا . ويحدثنا جيروم عن
رهبان
لم يطعموا شيئا غير التين وخبز الشعير , ولما مرض مكاريوس جاءه بعضهم

بعنب فلم تطاوعه نفسه على التمتع بهذا الترف , وبعث به إلى ناسك آخر ,
وأرسله
هذا إلى ثالث حتى طاف العنب جميع الصحراء ( كما يؤكد لنا روفينس ) ,

وعاد مرة أخرى كاملا إلى مكاريوس . وكان الحجاج , الذين جاءوا من جميع
أنحاء
العالم المسيحي لشاهدوا رهبان الشرق , يعزون إلى أولئك الرهبان
معجزات
لا تقل في غرابتها عن معجزات المسيح , فكانوا – كما يقولون - يشفون

الأمراض ويطردون الشياطين باللمس أو بالنطق بكلمة , وكانوا يروضون الأفاعي
أو الآساد بنظرة أو دعوة , ويعبرون النيل على ظهور التماسيح , وقد أصبحت
مخلفات
النساك أثمن ما تملكه الكنائس المسيحية , ولا تزال مدخرة فيها حتى
اليوم
.

وكان رئيس الدير يطلب إلى الرهبان أن يطيعوه طاعة عمياء ,
ويمتحن
الرهبان الجدد بأوامر مستحيلة التنفيذ يلقيها عليهم , وتقول إحدى
القصص
إن واحداً من أولئك الرؤساء أمر راهباً جديداً أن يقفز في نار مضطرمة

فصدع الراهب الجديد بالأمر , فانشقت النار حتى خرج منها بسلام . وأمر راهب
جديد آخر أن يغرس عصا رئيسه في الأرض ويسقيها حتى تخرج أزهراً , فلبث
الراهب
عدة سنين يذهب إلى نهر النيل على بعد ميلين من الدير يحمل منه الماء

ليصبه على العصا , حتى رحمه الله في السنة الثالثة فأزهرت . ويقول جيروم
إن
الرهبان كانوا يأمرون بالعمل ( لئلا تضلهم الأوهام الخطرة ) . فمنهم من
كان يحرث الأرض , ومنهم من كان يعني بالحدائق أو ينسج الحصر أو السلاسل ,
أو يصنع أحذية من الخشب , أو ينسخ المخطوطات . وقد حفظت لنا أقلامهم كثيرا
من الكتب القديمة . على أن كثيرين من الرهبان المصريين كانوا أميين
يحتقرون
العلوم الدنيوية ويرون أنها غرور وباطل . ومنهم من كان يرى أن
النظافة
لا تتفق مع الإيمان , وقد أبت العذراء سلفيا أن تغسل أي جزء من
جسدها
عدا أصابعها , وكان في أحد الأديرة النسائية 130 راهبة لم تستحم
واحدة
منهن قط أو تغسل قدميها , ولكن الرهبان أنسوا إلى الماء حوّالي آخر
القرن
الرابع , وسخر الأب إسكندر من هذا الانحطاط فأخذ يحن إلى تلك الأيام
التي
لم يكن فيها الرهبان ( يغسلون وجوههم قط ) .

وكان الشرق الأدنى
ينافس مصر في عدد رهبانها وراهباتها وعجائب فعالهم . فكانت أنطاكية وبيت
المقدس
خليتين مليئتين بالصوامع والرهبان والراهبات , وكانت صحراء سوريا
غاصة
بالنساك , منهم من كان يشد نفسه بالسلاسل إلى صخرة ثابتة لا تتحرك كما
يفعل فقراء الهنود , ومنهم من كان يحتقر هذا النوع المستقر من المساكن ,
فيقضي
حياته في الطواف فوق الجبال يطعم العشب البري . ويروي لنا المؤرخون
أن
سمعان العمودي Simeon Stylites ( 390؟ - 459 ) كان لا يذوق الطعام طوال
الصوم الكبير الذي يدوم أربعين يوماً . وقد أصر في عام من الأعوام أثناء
هذا
الصوم كله على أن يوضع في حظيرة وليس معه إلا القليل من الخبز والماء .
وأخرج من بين الجدران في يوم عيد الفصح فوجد أنه لم يمس الخبز أو الماء .
وبني
سمعان لنفسه في عام 422 عموداً عند قلعة سمعان في شمالي سوريا وعاش
فوقه
. ثم رأى أن هذا اعتدال في الحياة يجلله العار فأخذ يزيد من ارتفاع
العمد
التي يعيش فوقها حتى جعل مسكنه الدائم فوق عمود يبلغ ارتفاعه ستين
قدماً
ولم يكن محيطه في أعلاه يزيد على ثلاثة أقدام , وكان حول قمته سور
يمنع
القديس من السقوط على الأرض حين ينام .
وعاش سمعان على هذه البقعة
الصغيرة
ثلاثين عاماً متوالية معرضاً للمطر والشمس والبرد . وكان أتباعه
يصعدون
إليه بالطعام وينقلون فضلاته على سلم يصل إلى أعلى العمود , وقد شد
نفسه
على هذا العمود بحبل حز في جسمه , فتعفن حوله , ونتن وكثرت فيه
الديدان
, فكان يلتقط الدود الذي يتساقط من جروحه ويعيده إليها ويقول : (
كلي
مما أعطاك الله !) . وكان يلقى من منبره العالي مواعظ على الجماهير
التي
تحضر لمشاهدته , وكثيراً ما هدى المتبربرين , وعالج المرضى , واشترك
في
السياسة الكنسية , وجعل المرابين يستحون فينقصون فوائد ما يقرضون من
المال
إلى ستة في المائة بدل اثني عشر . وكانت تقواه سبباً في إيجاد طريقة
النسك
فوق الأعمدة , وهي الطريقة التي دامت اثني عشر قرناً , ولا تزال
باقية
حتى اليوم بصورة دنيوية خالصة ) .
ومثل ذلك ذكر هرلبت في كتابه

.
ودي سي سيندرول .
وستر زي غواسكي .
وبروكوبيوس .
وونكل
مين .

فجاء الإسلام فهذب هذه التعاليم ونقحها , وحذف منها الغلو
والتطرف , ومنع الناس عن التشدد في الدين , وتعذيب النفس , وعرفهم
الحنيفية
السمحة البيضاء , النزيهة عن الانغماس في الدنيا والجري وراء
ملذاتها
وشهواتها , كما راعى جانب الطبيعة والفطرة , وأباح الطيبات من
الرزق
والحلال من المال , والتمتع بالجائز من الدنيا , فوضع عن الناس إصرهم

والأغلال التي كانت عليهم , وأمرهم بالقصد والاعتدال بين التجرد المحض
والتزهد
الصرف , وبين الإسراف المطلق والتقتير الفاحش , فقال جل وعلا في
كتابه
الذي أنزله على سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه :
{ يَا بَنِي
آدَمَ
خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ
وَلاَ
تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 31 قُلْ مَنْ
حَرَّمَ
زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ
مِنَ
الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
خَالِصَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ
}
وقال : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ
الْآخِرَةَ
وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا
أَحْسَنَ
اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ
اللَّهَ
لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }

وقال : { هُوَ الَّذِي
خَلَقَ
لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }
وقال : { وَهُوَ الَّذِي
سَخَّرَ
الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا
وَتَسْتَخْرِجُواْ
مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ
مَوَاخِرَ فِيهِ
وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

وقال :
{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ
لَكُم
مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ
ظَعْنِكُمْ
وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا
وَأَشْعَارِهَا
أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ 80 وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم
مِّمَّا
خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا
وَجَعَلَ
لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم
بَأْسَكُمْ
كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْلِمُونَ 81 }

وقال : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا
دِفْءٌ
وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ 5 وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ

تُرِيحُونَ وَحِين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد الماجيك
New Member
New Member
avatar


النوع : ذكر
الدولة : الوطن العربي
عدد المساهمات : 49
نقاط المكتسبه : 26660
التقييم : 5
الموقع : https://el7or.ahlamontada.com/
المزاج : زي الفل

مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Empty
مُساهمةموضوع: رد: مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ   مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ Emptyالأربعاء يونيو 02, 2010 4:13 pm

مشكورين لك بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مَصَادِرُ التّصوُّفِ وَمَآخِذُهُ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الصوت الحر  :: صوتك الي لازم نسمعه :: إسلاميـــــــات-
انتقل الى: