أستغرب ردود أفعال الإخوان على مسلسل «الجماعة»، رغم أنهلم يقل أكثر مما دأبت الأبواق الإعلامية فى مصر على ترديده طوال نصف القرنالأخير، ولا أعرف كيف توقعوا أن يتعامل المسلسل معهم بحياد وموضوعية فىحين أن الذين قاموا به من خصومهم، فضلا عن أن المناخ السياسى معبأ بالرياحالمعاكسة لهم، مع ذلك فأزعم أنه أفادهم بأكثر مما أساء إليهم.
منناحية لأنه أعاد اسم الجماعة إلى الضوء، ليهدم الجهد الذى بذلته وزارةالداخلية طوال السنوات الأخيرة، حين أصدرت تعليماتها لكل من يهمه الأمربالكف عن ذكر اسم الإخوان والاكتفاء باستخدام مصطلح «المحظورة» فى الإشارةإليهم، حتى أنها وجهت عتابا للمجلس القومى لحقوق الإنسان لأنه تجرأ وذكراسم الإخوان المسلمين صراحة فى أحد تقاريره قبل سنتين ولم يلتزم بالتوجيه،إلا أن المسلسل جاء ليجعل الاسم على كل لسان، ويحول أفكار الإخوان إلىموضوع للمناقشة فى كل منتدى وصحيفة، ولم يكن ذلك المكسب الوحيد للجماعة،لأن الدراما أوصلت إلى المشاهد العادى خطابا ومفردات للإخوان لم يكنبوسعهم أن يوصلوها إليه فى ظل الأوضاع التى أحاطت بهم خلال نصف القرنالأخير، إذ أقنعه بأنهم فى الأصل دعاة إلى الله وإن كانوا قد ارتكبواأخطاء فى الوسائل التى استخدموها لبلوغ ذلك الهدف، والإقبال الذى حدث علىكتب الإخوان وتلك التى صدرت عن بعض قياداتهم، خاصة رسائل الأستاذ البناوكتابه مذكرات الدعوة والداعية وغيرها من المذكرات من القرائن التى تدلعلى أن المسلسل جذب كثيرين وأثار فضولهم ودفعهم إلى تحرى الحقيقة فى شأنالوقائع والأحداث التى عرضها، وربما شجعهم على ذلك أن المسلسل منذ بداياتهأثار شكوكا قوية فى رسالته، وأعطى انطباعا بأنه عمل سياسى بأكثر منه عملفنى، وان الجهد الأمنى فيه أكبر من الجهد الثقافى والإبداعى.
حينيحقق الإخوان هذه المكاسب فى ظل الظروف الراهنة غير المواتية لهم، فإن ذلكيفترض أن يكون سببا لارتياحهم وليس غضبهم، ولذلك لم أفهم التصريحاتالانفعالية التى صدرت عن بعض قياداتهم بخصوص الموضوع، ولم أهضم فكرة إنتاجفيلم مقابل يرد على رسالة المسلسل، ناهيك عن أننى أشك كثيرا فى أن يقبل أىممثل محترف أن يشترك فيه، لأن ذلك سيعد انتحارا من جانبه يؤدى إلى وقفحاله فى السينما والتلفزيون، علما بأن «الفيلم» يظل عملا فنيا ليس للإخوانباع فيه.
لذلك تمنيت على الإخوان أن يصرفوا النظر عن فكرة الفيلمالمضاد، خصوصا أننى لا أتوقع له النجاح لأنه إذا أراد أن يبيض صفحةالإخوان، فإنه سيقع فى ذات الخطأ الذى ارتكبه مؤلف المسلسل، الذى جعل منشيطنة الإخوان هدفا له.
إن مشكلة المسلسل أنه لم يتعامل مع الإخوانكجزء من الحركة الوطنية، وكفصيل شارك فى العمل العام فأصاب وأخطأ ونجحوأخفق. ولكن هاجس الشيطنة الذى ظل يطل منه طول الوقت أفقده صدقيتهورصانته. ورغم أن مؤلفه أشار إلى قائمة طويلة من المراجع موحيا بأنه استندإليها، إلا أن المدقق فى حلقات المسلسل يكتشف أن 80٪ على الأقل منمعلوماته مستقاة من كتاب واحد لأحد غلاة الشيوعيين من خصوم الإخوانالألداء، وهناك أكثر من مرجع محترم أورده فى القائمة، إلا أنه اكتفى بذكرعناوينها وتجاهل تماما مضمونها.
بدلا من التورط فى إنتاج فيلممضاد، ليت الإخوان يقدمون لنا دراسة نقدية هادئة للمسلسل تصحح ما قدمه منمعلومات، سواء ما تعلق منها بفكرة الجهاز الخاص الذى كان من تقاليدالجماعات السياسية المناهضة للاحتلال الإنجليزى فى الأربعينيات، أوبالموقف من الأحزاب أو بالعلاقة مع الأقباط الذين شارك اثنان منهم فىاللجنة السياسية للجماعة أيام الأستاذ البنا، ولهم أيضا أن ينبهوا إلىالجوانب التى تجاهلها المسلسل فى سياق التزامه بنهج «الشيطنة» وفى مقدمتهادورهم فى قضية فلسطين، وإسهامهم فى الحركة الوطنية المصرية التى ابتدعوالها «الوِرد الوطنى». وكانت المطالبة بالجلاء على رأس أولوياته. كذلكدورهم فى التقريب بين المذاهب الإسلامية.
إن حوار الأفكار هو أقصر الطرق لاستجلاء الحقيقة، وللنفاذ إلى عقول الناس وكسب احترامهم.