لم يكن الشعب المصرى يعلم لمبارك غير ولديه علاء وجمال، لكن رحم الفساد حمل سفاحاً أولاداً للرئيس، ربما كانوا أكثر براً بأبيهم من ولديه وأكثر إخلاصاً لعلاقة الدم الفاسد الذى يجرى فى عروقهم وأوردتهم.. إنهم أولاد الفساد!! ولدوا ولادة قيصرية من فتحة فى بطن السحت، ورضعوا وتعلموا جدول ضرب الشعوب، وقواعد الصرف من خزائن الوطن وتاريخ الأمبراطوريات الظالمة، وجغرافيا السطو على كنوز وثروات البلاد.
درسوا علوم التشريح، فشرحوا الوطن، واستخرجوا قلبه وأكلوه كبده نيئاً، وشربوا دماءه الذكية، إنهم دراكولا الأوطان فى أسطورة الجريمة، صنعهم طغاة وساندهم مستبدون، وأطلق أياديهم سلبية شعب مقهور مسجون مطحون، يلهث وراء رغيفه وكارت شحن وحقنة أنسولين وبعض حبات من الإنترفيون بعد أن قتلت الهرمونات والمبيدات المسرطنة كبده وبنكرياسه وأمعائه.
وانتشر أولاد الرئيس فى شتى مناحى الحياة، فى الفن وفى الرياضة، وفى الإعلام، وفى الزراعة، وفى الاقتصاد، وفى الصناعة، وفى العلوم، لكن أكثر أولاد الرئيس كانوا رموزاً لامعة فى دنيا السياسة أبناء الرئيس، وحينما انفجرت الثورة على الطغيان، وقف أبناء الرئيس ينادونه عبر الشاشات: بنحبك يا بابا مبارك.. لا تتركنا يا بابا مبارك.. سامحنا يا بابا مبارك..!
ونسوا أن بابا كان أبا لقيطاً للوطن، وأنهم أيضاً كاذبون فى الانتماء، ورحم الله الفنان عماد حمدى فى فيلم الخطايا، موجهاً خطابة إلى عبد الحليم حافظ بعد صفعة قوية: أنا موش أبوك، ودى موش أمك.. وده مش أخوك! لكن بعض أبناء الرئيس الآخرين لم يكتفوا بالبكاء على شاشات التلفاز بل استأجروا الجمال والخيول والشبيحة وهجموا على الشباب الثائر الشريف فى موقعة سجلها التاريخ باسم موقعة الجمل، وشتان بين جمل وجمل، وبين موقعة وموقعة، وآخرون من أبناء الرئيس تخصصوا فى نهب الوطن، فولده النجيب أنس الفقى نهب الإعلام بعد أن حوله وبطانته إلى تكية عبث فيها صفوت الشريف، كما عبث فى أعراض الوطن، وولده النجيب أحمد عز نهب خبرات البلاد وأصبح الرجل الفولاذى فى حكومات هشة أكلت البارومة كل مقوماتها وثرواتها، ولم يكتفِ بالحديد بل دس أنفه فى كل شىء.. فى البورصة والآثار، والأرض الطاهرة، وصخر للعدو كافة إمكانياته ليرفع سوراً عازلاً يحمى به المستعمر جبروته واستعماره.
وولده البكر أحمد نظيف وقريته الذكية وخطته الأكثر ذكاء فى الاحتفاظ بكرسى دولة الوزارة فى مارثوان النهب، الذى كانت رجلاه الطويلتان أسرع من قفز إلى مغارة على باب فى حدوته الهبش العظيم، أما ولده الفذ من رحم خطة أمريكية فقد كان "يوسف خورى" أقصد يوسف بطرس غالى الذى جاء بأجندة محددة حفر على جلدتها الخارجية إصلاح الاقتصاد، لكن جميع صفحاتها كانت تحتوى على عبارة واحدة "خراب مصر"، واستولى على أموال الغلابة من أصحاب المعاشات والتأمينات، وتفنن فى إبداعات الضرائب ولو استمر أسبوعاً آخر لكان ترزية القوانين قد صنعوا له مشروعاً لقانون يفرض ضريبة على الكلام والهواء، ليخرس الشعب ويخنق أنفاسه، وفى كل هذا تشدوا لطيفة المنافقة التونسية: اخترناك اخترناك.. علشان كده إحنا اخترناك.
أما رفاقه فى هتك عرض الوطن فهم كثيرون تناوبوا على بكارة الوطن، فإذا كانت جريمة هتك عرض أنثى عقوبتها الإعدام، فما بالك بهتك عرض وطن، بكاملة وأمة بأرضها وسمائها وأرواح أبنائها.
كان صفوت الشريف عقل العصابة المفكر، وكان زكريا عزمى ذراعها الطويلة، وبين ذلك وذاك ترعرع أفراد مافيا الفساد، وزراء، وأعضاء فى السياسات، وأمناء للحزب، وهم ليسوا أمناء على الوطن ومهندسو قوانين وتشريعات الفساد، يصفقون بحرارة وقلوبهم باردة، ويهتفون بحياته وينسون الموت، ألحدوا بالخالق وهم يطوفون حول كعبة الرئيس، وغرتهم القوة المزيفة كما غر فرعون جبروته، فابتلعه البحر مسكينا ضعيفاً، كما ابتلعت الثورة المباركة الفرعون الحديث وجنوده ولم تنفعهم حصونهم ولا جنودهم ولا أموالهم، وفقد الرئيس نفسه، كما فقد ولديه، وفقد الكثير من أبنائه المنافقين واللعنة الكبرى من شعبه العظيم، ليتحقق قوله تعالى: "فلعنة الله على الظالمين".