21- سلسلة دروس التوحيد والسنة :
الدرس السادس والعشرون : النفاق والجاهلية والفسق والضلال والردة
أ- النفاق في الشرع : إظهار الإسلام وإبطان الكفر قال الله تعالى [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)] البقرة .
والنفاق نوعان :
1- النفاق الاعتقادي الأكبر: بمعنى إظهار الإسلام وإبطان الكفر مخرج من الملة وصاحبه في الدرك الأسفل من النار قال الله تعالى [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) ] النساء . وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين بما يظهر من أقوالهم وأفعالهم [ مع أن الله أظهره على ما في قلوبهم ] ولم يعلن ذلك على عامة الناس أسماءهم , وروى البخاري في صحيحه [4672] : أنه لما مات عبد الله بن أبيّ جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه قميصه ليكفن فيه , وصلى عليه حتى نزلت الآية : [وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ] التوبة 84 [ فتح الباري 8| 184 ] .
2- النفاق العملي الأصغر : وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء بعض الإيمان في القلب فهذا من المعاصي التي لا تخرج من الملة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا ؛ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ] أخرجه البخاري ومسلم .
ب -الجاهلية :
هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل والكفر بالله ورسوله وشرائع دينه والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر ونحو ذلك , [ النهاية لابن الأثير ] , نسبة إلى الجهل الذي هو عدم العلم أو عدم اتباع العلم , قال شيخ الإسلام ابن تيمية : [ فإن من لم يعلم الحق فهو جاهل جهلا بسيطا . فإن اعتقد خلافه فهو جاهل جهلا مركبا . فإن تبين ذلك فالناس قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في جاهلية منسوبة إلى الجهل . فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل , وإنما يفعله جاهل . وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من يهودية ونصرانية [ ووثنية ] فهو جاهلية , وتلك كانت الجاهلية العامة . فأما بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم قد تكون [ الجاهلية ] في مصر دون مصر , كما هي في دار الكفار . وقد تكون في شخص دون شخص , كالرجل قبل أن يسلم فإنه في جاهلية وإن كان في دار الإسلام . فأما في زمان مطلق فلا جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة . والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين في كثير من الأشخاص المسلمين . كما قال صلى الله عليه وسلم [أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة] أخرجه مسلم , وقال لأبي ذر : [إنك امرؤ فيك جاهلية] أخرجه البخاري ومسلم . ونحو ذلك ] انتهى [ اقتضاء الصراط المستقيم ].
فالجاهلية قسمان :
1- الجاهلية العامة وهي : ما كان قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم وقد انتهت ببعثته .
2- جاهلية خاصة ببعض الدول وبعض البلدان وبعض الأشخاص وهذه لا تزال باقية . ويخطئ من يعمم الحكم بالجاهلية في هذا الزمان فيقول : جاهلية هذا القرن والصواب أن يقال : جاهلية بعض أو غالب أهل هذا قرن , وأما التعميم فلا يصح ولا يجوز , لأن ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم زالت الجاهلية العامة .
ج- الفسق :
الفسق شرعا : الخروج عن طاعة الله , وهو يشمل الخروج الكلي , فيقال للكافر فاسق , والخروج الجزئي , فيقال للمؤمن المرتكب [ لبعض المعاصي ] : فاسق .
فالفسق فسقان :
فسق ينقل عن الملة وهو الكفر , فيسمى الكافر فاسقا , فقد قال الله تعالى عن إبليس : [فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ] الكهف 50 , وكان ذلك الفسق منه كفرا . ويسمى العاصي من المسلمين فاسقا , ولو لم يخرجه من الإسلام , قال تعالى [وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)] النور. وقال تعالى [فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ] البقرة 197, قال العلماء في تفسير الفسوق هنا : هو المعاصي . انظر كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية .
د- الضلال :
الضلال : العدول عن الطريق المستقيم , وهو ضد الهداية قال تعالى [فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ] يونس 108.
والضلال يطلق على عدة معان :
1- فتارة يطلق على الكفر , قال تعالى : [وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)] النساء .
2- وتارة يطلق على الشرك , قال تعالى : [وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) ] النساء .
3- وتارة يطلق على المخالفة التي هي دون الكفر , كما يقال : الفرق الضالة , أي : المخالفة ولو بما دون الكفر والشرك .
4- وتارة يطلق على الخطأ , ومنه قول موسى عليه السلام : [قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)] الشعراء .
5- وتارة يطلق على النسيان , ومنه قوله تعالى : [أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى] البقرة 282.
ه- الردة :
الردة في الشرع : هي الكفر بعد الإسلام , قال تعالى [وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ] البقرة .
أقسامها : الردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام . ونواقض الإسلام كثيرة تجمعها ثلاثة أقسام هي :
1- الردة بالقول : كسب الله تعالى أو رسوله أو ملائكته أو أحد من رسله , أو ادعاء علم الغيب أو ادعاء النبوة أو تصديق من يدعيها أو دعاء غير الله أو الاستعانة أو الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله أو بالميت أو الغائب .
2- الردة بالفعل : كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والمقامات والذبح والنذر لها والسحر والحكم بغير ما انزل الله معتقدا حله .
3- الردة بالاعتقاد ك كاعتقاد الشريك لله , أو أن الزنا والخمر والربا حلال , أو أن ما أحل الله من الطيبات حرام أو أن الصلاة غير واجبة و ونحو ذلك مما أجمع الفقهاء على حله أو حرمته أو وجوبه إجماعا قطعيا ومثله لا يجهله .
وأحكامها التي تترتب عليها بعد ثبوتها :
1- استتابة المرتد , فإن تاب ورجع إلى الإسلام في ثلاثة أيام قبل منه ذلك .
2- إذا أبى أن يتوب وجب قتله لقوله صلى الله عليه وسلم [مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ] أخرجه البخاري .
3- يمنع من التصرف في ماله في مدة استتابته فإن أسلم فهو له , وإلا صار فيئا لبيت المال من حين قتله أو موته على الردة , وقيل من حين ارتداده , يصرف في مصالح المسلمين .
4- انقطاع التوارث بينه وبين أقاربه فلا يرثهم ولا يرثونه .
5- إذا مات أو قتل على ردته فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين , بل يوارى في التراب في أي مكان آخر .
عقيل حامد