بين جموع المتظاهرين في ميدان التحرير، شاب يرفع لوحة بين كرنفال الأوراق والشعارات المرفوعة، كتب عليها "جددوا نياتكم بالجهاد في سبيل الله"، سرعان ما يهمس شاب آخر في أذنه فيخفضها سريعا ويستبدل بها أخرى لا تحمل شعارات دينية.
الغريب أن كلا الشابين ينتميان لجماعة الإخوان المسلمين –أكبر كتلة معارضة في مصر، ويبرر الشاب الثاني (عادل العسال) مسارعته إلى طلب خفض الورقة لـ«أون إسلام» بقوله: "نحن هنا لنمثل جموع المصري بجميع أطيافه، الإسلامية منها وغيرها، كلنا لنا طلب واحد، ويجب أن نتجنب الشعارات التي تعبر عن أي هوية حتى لا نتفرق ويسعى كل فريق لإبراز هويته، كما أن كلمات كالجهاد يتم فهمها وتصويرها كأنها كلمات إرهابية، ولها مدلولات مختلفة غربيا، كما أنها توظف داخليا بتوظيف آخر".
ويعكس هذا الموقف توجها عاما لدى شباب الجماعة المشاركين في مظاهرات «ثورة الغضب» المصرية في ميدان التحرير أو في مدن مصر الأخرى، حيث يحرص الشباب على عدم إبراز هويتهم الإخوانية رغم تواجدهم بين المتظاهرين، كما يشارك شباب الجماعة في عدة ورش ولجان للمعتصمين مع شباب من أحزاب وتيارات سياسية أخرى، وهو ما اعتبره شباب الإخوان "وضعا لمصلحة مصر فوق كل اعتبار، وفوق إظهار الهوية".
دون توجيه
هذا الحرص نفى "أسامة محمود" أن يكون بناء على "توجيه من الإخوان، ولكنه نابع من الحس الوطني والوعي لدى شباب الجماعة".
ويستطرد أسامة لـ«أون إسلام»: "بالأمس كان أحد الشباب يهتف والشباب يرددون خلفه، وفي وسط الشباب نسي الشاب وهتف قائلا «الله أكبر ولله الحمد» (هتاف جماعة الإخوان) وبمجرد أن سمعته أشرت له من بعيد فهز رأسه متفهما، ورغم أن الحاضرين رددوا خلفه ولم يستاءوا أو ربما لم يدركوا أصلا أنه هتاف الإخوان فإنه لم يكرره مرة أخرى".
وأثناء تجولنا في الميدان تحدثنا مع أحد شباب الإخوان الأزهريين الذين حضروا بزيهم الأزهري، ويبرر الشيخ "مصطفى عبد الحميد" لـ«أون إسلام» حضوره بالزي الأزهري دون إعلانه عن هويته الإخوانية بالقول: "صحيح أن الأزهر مؤسسة إسلامية؛ لكنها تمثل وتعبر عن مصر كلها، أما جماعة الإخوان فإنها قد تلاقي خلافا سياسيا".
ويكمل الشيخ مصطفى بالقول: "لم أجد أي مانع من الحضور بالزي الأزهري، بالعكس.. فهو يزيد من ثبات المتظاهرين ويرفع معنوياتهم، كما أن الأزهر صار رمزا مصريا، وليس في ذلك أي طائفية أو حزبية أو حتى دعوة سياسية".
وفي كرنفال المسيرات واللوحات التي يزخر بها الميدان، تمر مسيرة تهتف فيها إحدى الفتيات، بينما يردد خلفها شباب من بينهم أحد شباب الإخوان، ويقول أشرف عبد العزيز: "الإخوان أبدوا انفتاحا غير مسبوق على جميع مكونات المجتمع، حتى أن بعض أصدقائي الذين عرفتهم هنا كانوا يتعجبون عندما يعرفون أنني من الإخوان".
ويستطرد أشرف في كلامه: "أنا شخصيا لم أكن أعرف أنني سأستطيع التعامل مع جميع هذه الأطياف في وقت واحد، وأننا سنجد أرضية واحدة وهدفا واحدا، كما أننا تقاربنا للغاية وأشعر أن المعارضة تنصهر في نسيج الوطن الواحد بعد أن ظل النظام يقيم الحواجز بينهم ويفرقهم حتى لا يلتقوا".
مطالب كل المصريين
ملمح آخر تضيفه "فاطمة صابر" قائلة: "المكسب الحقيقي هو تداخلنا مع الشباب الذين لا ينتمون لأي فصيل، لقد عمد النظام إلى تشويه صورة الإخوان لدى عموم المصريين بالكذب والخداع، لكن الآن الناس يتعرفون إلينا أولا، وربما يعلمون بعد ذلك بالمصادفة أننا إخوان أو لا يعلمون، لكنهم يدركون أننا لا نتعطش لأن ننسب هذه الاحتجاجات إلينا".
كما تشرح بعدا آخر بقولها: "النظام يخيف الناس من الاحتجاجات ويخيف الغرب بـ«بعبع الإخوان»، ونحن لا نريد الحكم الآن كما قال سياسيو الجماعة، ورغم أن هذا ليس عيبا ولا حراما ونحن مصريون يحق لنا ذلك (الترشح للرئاسة) كما يحق لغيرنا، فإننا لا نريد الآن سوى الحرية والعدالة والإصلاح.. هذه مطالب متفق عليها من جميع المصريين الذين نحن جزء منهم، ويجب إزاحة كل الرموز والأنظمة المسئولة عن غياب هذه القيم الإنسانية".
وبين أسماء الشباب الذين كونوا لجانا وورش عمل في الميدان الواسع بالقاهرة، أو المدن والمحافظات الأخرى، ستجد أسماء شباب ينتمون إلى جماعة الإخوان بجوار أسماء الشباب الذين ينتمون إلى تيارات سياسية أخرى، كالناصريين واليساريين، أو حتى أولئك الين لا ينتمون إلى أي تيار.
وعن ذلك يقول محمد عفيفي أمين الشباب بحزب الوفد بالقليوبية: "شباب الإخوان محترمون، تعاملنا معهم في انتخابات 2010 التي زورها الحزب الوطني الفاسد، ونتعاون معهم الآن كما نتعامل مع أي مصري، يجب ألا يتم إقصاء أحد من المعادلة، كما أنهم لا يحرصون على مصالح ضيقة كما يفعل الحزب الوطني".
3 شهداء للإخوان لم يعرفوا
ومن جانبه يقول إسلام توفيق صحفي بالموقع الرسمي للإخوان المسلمين (إخوان أون لاين) أن نزول الجماعة لميدان التحرير دون إبراز الهوية الإخوانية يرجع إلي ان المطالب التي يرفعها المعتصمون ليست مطالب إخوانية فحسب، بل هي مطالب مصرية يتفق عليها كل الأطياف السياسية باختلاف توجهاتها.
ويضيف: "تمثل ذلك في يوم الغضب (25 يناير) حيث خرج الآلاف من شباب الإخوان ورموزهم إلى المظاهرات الأولى دون أن يطلب أحد منهم لك، حيث كان رأي الجماعة أنها لن تشارك في اليوم كمؤسسة، ولكن من أراد من أفرادها أن يشارك، فليشارك، تبعه ما حدث يوم الجمعة (28 يناير) والتي سقط للإخوان فيها 3 شهداء بمحافظتي القاهرة والإسكندرية ولم يُذكر عند تشييع جنازتهم أنهم إخوان".
ويوضح توفيق أن هذا "يعتبر تغيرا نوعيا في طريقة تعامل الإخوان مع الأمور، استفاد منها الإخوان كثيرا؛ فعايش المعتصمون الإخوان على طبيعتهم دون أن يعرفوا هويتهم، وعندما عرفوهم تأكدوا أن كل ما كان ينشر حولهم أو يخوفهم منهم غير حقيقي".
ويختتم قائلا: "مصلحة مصر فوق كل اعتبار، فوق إظهار الهوية، وفوق تغليب المصالح الشخصية، مصر فوق الجميع، فوق الإخواني والإشتراكي، فوق العلماني والمتشدد، خاصة في هذه الظروف التي تمر بها البلاد".
تحول مقابل
ولعل هذا التوجه الإخواني اللافت في مظاهرات الحركة الاحتجاجية المصرية، دفع شخصيات معروفة بعدائها للإخوان، لتغيير موقفها، ومن أشهر هؤلاء المخرج السينمائي خالد يوسف والكاتبة المصرية نوال السعداوي اللذان نزلا إلى الشارع وشاركا الإخوان في مظاهراتهم..
فخلال كلمته التي وجهها إلى الشباب في ميدان التحرير، قال المخرج السينمائي خالد يوسف: "إن الاخوان المسلمين موجودون في ميدان التحرير لأنهم جزء من الأمة"، واصفا جماعة الإخوان المسلمين التي ترابط بميدان التحرير بأنها "أشرف الشرفاء" كما جاء على لسانه.
وأضاف يوسف: "قالوا لي «إن ميدان التحرير مليء بالإخوان»، فقلت لهم هؤلاء يعملون لصالح البلاد وليس لصالح الصهاينة حتى تعبئوا الناس ضدهم".