22- سلسلة دروس التوحيد والسنة
الدرس السابع والعشرون : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية , قسم بعض العلماء البدعة إلى بدعة حسنه وأخرى سيئة وبعضهم بالغ في تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام وهي : بدعة مستحبة وواجبة ومكروهه ومحرمة ومباحة , وهذا التقسيم وذاك لا أصله له, من الكتاب والسنة الصحيحة ولا من إجماع الصحابة الذين هم أفضل البشر على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين , بل هذا التقسيم مخالف للقرآن والسنة ومخالف لفهم الصحابة وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود , والذي قال في حقه ومنزلته رسول الله صلى الله عليه وسلم [رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد]. الصحيحة 1225. [يعني عبد الله بن مسعود] . ولكي نعرف حقيقة البدعة وخطرها على الدين والأمة , لا بد من معرفة ما يضدها وكما قال الشاعر: [فالضِّد يظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ وَبِضدِّها تتميز الأشْياءُ] فالبدعة ضدها السنة ولا بد من معرفة السنة كي تتميز لنا البدعة وإليك حقيقة كل منهما :
1- السنة : لها ثلاثة تعاريف عند أهل العلم والاختصاص وهي :
أ- السنة في اللغة : هي الطريقة أو السيرة .
ب- السنة عند الفقهاء : هي ما يؤجر فاعله امتثالا ولا يعاقب تاركه ولكن يلام .
ت- السنة عند المحدثين : هي كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . [ أي الدين كله كاملا الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا نعلم أن السنة معناها الدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الدين يشمل أحكام العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك وأن هذا الدين كله [ السنة ] قد أكمله الله تعالى قبل وفاه النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ] المائدة 3. فالدين الإسلامي قد أكمله الله تعالى لنا والحمد لله وبشهادة الحق جل في علاه , وكما اخبرنا الله في هذه الآية الكريمة وأكررها لأهميتها وفوائدها الغزيرة قال تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ] والدين كامل بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال [ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم] ثم بشهادة الصحابة العدول الكرام حيث قالوا [ما من خير إلا وقد دلّنا عليه، وما من شر إلا وقد حذّرنا منه] ومن هنا نعلم أن الدين كله [ أحكام العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك ] قد أكمله الله تعالى لنا بشهادة الله الحي القيوم أولا ثم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا ثم بشهادة الصحابة الكرام ثالثا , وبعد أن أكمل الله نعمته علينا وأكمل لنا ديننا تكفل القوي المتين لنا بحفظ هذا الدين قال تعالى [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] الحجر 9. والذكر يشمل القرآن والسنة [أي الدين كله كاملا ] فالله قد حفظ هذا الدين من التحريف والضياع ومن الزيادة والنقصان , وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هناك مبطلون وجاهلون وغالون يحاولون تحريف هذا الدين العظيم , فيغيض الله تعالى لهذا الدين رجالا عن هذا الدين يدافعون ويكافحون ولتحريف المبطلون والجاهلون والغالون يبينون فتنبه يا عبد الله لهولاء , ولحديث رسول الله تبناه عقيدة وفهما وعملا حيث قال رسول الله [يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلين] رواه البيهقي . عباد الله وخلاصة ما مضى ما يلي :
1- إن الدين كله قد أكمله الله تعالى .
2- إن هذا الدين الكامل كله قد حفظه الله تعالى .
3- كل أنواع الخير قد دلنا عليها رسول الله وكل أنواع الشر قد نهانا وحذرنا منها رسول الله . قال رسول الله [ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم]
4- كل أنواع الخير قد دلنا عليها رسول الله وكل أنواع الشر قد نهانا وحذرنا منها رسول الله , قال الصحابة الكرام [ما من خير إلا وقد دلّنا عليه، وما من شر إلا وقد حذّرنا منه].
5- سيخرج في هذه الأمة قوم يحاولون تحريف الدين الإسلامي فيغيض الله لهذا الدين رجالا يذودون ويدافعون عنه ويبينون للناس الدين الحق الذي جاء به الرسول الأمين ويحذرون الناس من الدين المحرف الذي حرفه المبطلون والجاهلون والغالون .
عباد الله وبعد أن انزل الله تعالى لنا الدين الإسلامي وأكمله وحفظه لنا أمرنا بإتباعه ونهانا وحذرنا عن مخالفته قال تعالى [فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] النور 63. ولا شك أن هذا الدين [ السنة ] هو من أمر الله تعالى لنا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز مخالفة أمر الله وأمر رسوله .
وقد أمرنا رسول الله بإتباع سنته حيث قال [عليكم بسنتي ] السلسلة الصحيحة . ونهانا وحذرنا عن المحدثات والبدع فقال رسول الله [وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " زاد في حديث آخر: " وكل ضلالة في النار] صلاة التراويح للألباني . وفي هذا الحديث يبين لنا رسول الله أن كل ما خالف الدين [ السنة ] هو محدثة وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار [ أي صاحب البدعة في النار ].فكلمة [ كل ] التي جاءت في الحديث السابق هي من ألفاظ العموم ولا يوجد دليل يخصص هذه الكلمة [ كل ] لا من القرآن الكريم ولا من السنة الصحيحة ولا من إجماع خير هذه القرون وأعلمهم بالدين فتبقى كلمة [ كل ] عامة ويبقى الحديث على عمومة وكما قرر علماء الأصول أن النص العام يبقى على عمومة ما لم يأتي دليل يخصصه .ومما يؤكد إن كل محدثة بدعة قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد ] وقوله [مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ] وهذان الحديثان الصحيحان يدلان على إن كل أمر جديد في الدين مردود ومن المعلوم أن الله تعالى ورسوله الكريم يقبلان الحق ولا يردانه , ومن هنا نعلم إن هذا الأمر المحدث لو كان حقا وصوابا لما ردة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , ومن الجدير بالذكر أخي المسلم نلاحظ اتفاق هذان الحديثان مع الحديث الأول [كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " زاد في حديث آخر: " وكل ضلالة في النار ] وإذا أضفنا إلى ذلك فهم الصحابة وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود في إنكار المحدثات والبدع في الدين وكما صح في الأثر [ أن عبد الله بن مسعود دخل المسجد فوجد الناس قد اتخذوا حصى يسبحون الله فيها فقال لهم ابن مسعود ما هذا قالوا حصى نعد بها التسبيح والتحمد .... فقال لهم والذي نفسي بيده إما انكم أهدى من امة محمد أو انكم تتمسكون بذنب ضلاله , أحصوا سيئاتكم وانا الضامن لكم بعدم ضياع شيء من حسناتكم ] عباد الله نلاحظ اتفاق القرآن والسنة وفهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على اعتبار كل أمر لم يقوله أو يفعله أو يقره رسول الله صلى الله عليه وسلم محدثة وبدعة , فخبرني بربك كيف تكون مخالفة أمر الله تعالى خير للمسلم وكيف تكون مخالفة أمر الرسول عباده ورحمه لنا ؟ بل أن الله تعالى قد نفى الإيمان عن من لم يرضى بحكم الله ورسوله قال تعالى [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] النساء 65. فكل من لم يرضى بالسنة [ الدين ] التي جاء بها النبي الكريم فهو كافر خارج عن الملة بنص القرآن الكريم .
2- البدعة : لها تعريفان هما :
أ- البدعة في اللغة : هي ما احدث على غير مثال سابق [ أي اختراع شيء جديد لم يكن موجودا من قبل ]
ب- البدعة في الدين : هي ما احدث في الدين على غير مثال سابق أصلا أو وصفا .
ومن هنا يتبين لنا إن البدعة في الدين نوعان هما :
1- البدعة الأصلية : وهي البدعة التي يخترعها الناس ولا دليل عليها أصلا لا من القرآن ولا من السنة مثل أن يأتي شخص فيقول تجب صلاة سادسة في منتصف الليل لان الله أوجب صلاة الظهر في وسط النهار فهذه الصلاة السادسة لا دليل عليها أصلا , لا من القرآن ولا من السنة فتسمى هذه الصلاة بدعة وتسمى هذه البدعة بدعة أصلية .وعلى هذا المثال قس كل شيء يعرض عليك .
2- البدعة الإضافية : وهي البدعة التي لها أصل صحيح في الدين ولكن يقوم الناس بتحريف صفتها أو عددها [ بزيادة أو نقصان ] أو زمانها أو مكانها , ولهذا تسمى بدعة إضافية.
وهذا النوع هو الذي ينتشر ويكثر بين الناس بسبب انتشار الجهل وضحالة العلم وقلة التفقه في الدين , والبدعة الاضافيه مثل أن يصلي شخص صلاة الفجر ثلاثة ركعات فنقول هذه بدعة اضافيه لأن أصل صلاة الفجر ثابت بالدليل الصحيح وهي ركعتان فحرف هذا الشخص عددها وصلاها ثلاثة ركعات بدل [ركعتان] وعلى هذا المثال قس كل شيء يعرض عليك وخلاصة القول أن من يقول بجواز الابتداع في الدين يسقط فيما يلي :
1- تكذيب الله تعالى لان الله اخبرنا أنه أكمل لنا الدين وهذا المبتدع جاء بشيء جديد ويدعي أنه من الدين .
2- تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم لان الرسول يقول [ كل محدثة بدعة وكل ..... ] وهذا المبتدع يقول لا ليس كل محدثة بدعة وليس كل بدعة ضلاله فهناك بدعة حسنه وأخرى سيئة .
3- تكذيب للصحابة الكرام فالصحابة رضي الله عنهم قالوا [ما من خير إلا وقد دلّنا عليه، وما من شر إلا وقد حذّرنا منه ] وهذا المبتدع يقول لا ليس كل أنواع الخير دلكم عليها رسول الله فيحدث هذا المبتدع أمرا ويدعي أنه خير وأنه من الدين .
4- تكذيب للعقل الصريح الذي يقر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الدين كله كاملا وان الدين أكمله الله تعالى بوفاة النبي وأن الدين شرع من الله نقله إلينا رسول الله وحده فيجب أخذه كله ويحرم تركه ولا تجوز الزيادة فيه ولا النقصان كما لا يجوز تحريفه كما حرفت اليهود والنصارى دين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام .
تنبيه : من قال بجواز الابتداع في الدين فإنه إما إن يكون عالما مجتهدا فهو معذور ومأجور في كل الأحوال لقول الرسول الكريم : [إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر] متفق عليه . وإما إن يكون جاهلا فهو آثم ظالم لنفسه كاذب على الله ورسوله كما قال الله تعالى [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ] العنكبوت 68. وتجب عليه التوبة والرجوع إلى الله تعالى قال تعالى [إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ] البقرة 160.
تنبيه هام جدا : يخلط بعض الجهلاء ويستغل بعض أصحاب الأهواء والنفوس المريضة جهل الناس , ليلبسوا على الناس دينهم ويشككوهم في عقولهم وإتباعهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام فيقولون للناس لم تركبون السيارات والطائرات وهذه لم يركبها رسول الله ولا الصحابة الكرام ولم تكن موجودة في عهدهم فهي بدعة , فلم تفعلون هذه البدعة وتنكرون علينا البدعة في الدين [ظاهرها أنها من الدين وفي الحقيقة أنها من الشيطان ومن هوى النفس ] فنقول لهولاء الجهلاء البدعة قسمان هما :
1- البدعة في الدنيا :وهذه جائزة شرعا وهي مباحة وتصل إلى الوجوب أحيانا فكم من بدعة دنيوية خدمة الإسلام والمسلمين وساهمت في نشر الإسلام وانتصار المسلمين ومن هذه البدع نعمة خدمة الانترنت والحاسوب فكم لهما من اثر كبير في حياة المسلمين إن استخدما بالشكل الصحيح .
2- البدعة في الدين : وهذه البدعة هي المحرمة شرعا وهي التي أنكرها رب العالمين ورسوله الهادي الأمين وأنكرها الصحابة المعدلين من العليم الخبير وأنكرها من سار على منهجهم من التابعين والعلماء الربانيين , ولذلك قال السلف البدعة أحب إلى إبليس من المعصية , لأن صاحب المعصية يعرف ويقر أنها معصية وتجب التوبة منها أما صاحب البدعة فيعتبر بدعته دينا يتقرب بها إلى رب العالمين فلا يتوب منها إلا أن يشاء الله رب العالمين وفد قال رسوله الكريم [إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته] رواه الطبراني . واختم بحثي بقول النبي الصادق الأمين [إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتوق الشر يوقه ] الصحيحة .
عقيل حامد