17- سلسلة دروس التوحيد والسنة :
الدرس الثاني والعشرون: فضل الصحابة وما يجب اعتقاده فيهم ومذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم
1- الصحابة جمع صحابي , وهو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على ذلك , والذي يجب اعتقاده فيهم أنهم أفضل الأمة وخير القرون لسبقهم واختصاصهم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم والجهاد معه ونقل الشريعة عنه وتبليغها لمن بعده . وقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه , فقال تعالى [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ] التوبة 100. وقال تعالى [لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] الحشر 8و9.ففي هذه الآيات أثنى الله سبحانه على المهاجرين والأنصار من أصحاب رسوله , ووصفهم بالسبق إلى الخيرات , وأخبر أنه قد رضي عنهم , وأعد لهم جنات النعيم والفوز بها هو الفوز العظيم . ومدح الله المهاجرين منهم بترك أوطانهم وأموالهم من أجل الله ونصرة دينه وابتغاء فضله ورضوانه , ومدح الأنصار منهم بالإيمان الصادق ووصفهم بمحبة إخوانهم المهاجرين وإيثارهم على أنفسهم ومواساتهم لهم وسلامتهم من الشح .
هذه بعض فضائلهم العامة وهناك فضائل خاصة ومراتب يفضل بها بعضهم على بعضا رضي الله عنهم , وذلك بحسب سبقهم إلى الإسلام والإيمان والهجرة والفقه في الدين والجهاد لإعلاء كلمة الله .
فأفضل الصحابة الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة . ويفضل المهاجرون على الأنصار ويفضل أهل بدر وأهل بيعة الرضوان على من دونهم , ويفضل من أسلم قبل الفتح وقاتل على من أسلم بعد الفتح وقاتل .
2- مذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بين الصحابة:
سبب الفتنه : كيد عبد الله بن سلول من يهود اليمن وتحريضه على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه واختلاقه التهم ضده . فالتف حوله من انخدع به من قاصري النظر وضعاف الإيمان . فقتل الخليفة عثمان بن عفان مظلوما , وعلى أثر مقتله وقعت الفتنة بين المسلمين وحصل القتال بين الصحابة عن اجتهاد منهم رضي الله عنهم جميعا . ومذهب أهل السنة والجماعة في الاختلاف الذي حصل والفتنة التي وقعت من جرائها الحروب بين الصحابة يتلخص في أمرين:
الأمر الأول : الإمساك عن الكلام فيما حصل بين الصحابة والكف عن البحث فيه والدعاء لهم جميعا بما أمرنا الله به قال تعالى [وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ اغْفِر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ] الحشر 10 .
الأمر الثاني: الإجابة عن الآثار المروية في أخطاء بعضهم وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن هذه الآثار منها ما قد زيد فيه ونقص فيه وغير عن وجهه الصحيح ودخله الكذب فهو محرف لا يلتفت إليه .
الوجه الثاني: أن ما صح من هذه الآثار- وهو القليل – هم فيه معذورون لأنهم إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون , فهو من موارد الاجتهاد فله أجر واحد والخطأ مغفور. لما في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران , وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ] أخرجه البخاري ومسلم .
الوجه الثالث: أنهم بشر يجوز على أفرادهم الخطأ, وليس أفرادهم معصومين من الذنوب , وما يقع من أحدهم فله مكفرات عديدة منها:
أ- الأحرى به أن يكون قد تاب منه والتوبة تمحو السيئة كما جاءت به الأدلة .
ب- أن لهم من السوابق والفضائل ما يرجى معه مغفرة الله له قال تعالى: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ] هود 114.
ت- أنهم تضاعف لهم الحسنات أكثر من غيرهم ولا يساويهم أحد في الفضل , وقد ثبت ذلك بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ بأنهم خيرالقرون ] رواه البخاري ومسلم , وأن المد من أحدهم إذا تصدق به أفضل من جبل أحد ذهبا إذا تصدق به غيرهم . رواه البخاري ومسلم .
وقد اتخذ أعداء الله ما وقع بين الصحابة وقت الفتنة من الاختلاف والاقتتال سببا للطعن فيهم والنيل منهم , وجرى على هذا المنهج الضال بعض الكتاب المعاصرين الذين يهرفون بما لا يعرفون , فجعلوا أنفسهم حكما بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوبون بعضهم ويخطئون بعضهم بلا دليل بل بالجهل واتباع الهوى وترديد ما يقوله المغرضون والحاقدون ,كما فعل ذلك الفاسق الضال المدعو أحمد الكبيسي .
3- النهي عن سب الصحابة وعلماء الأمة:
أ- من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمرهم الله بذلك في قوله تعالى [وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ اغْفِر لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ] الحشر 10. وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: [ لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ] رواه البخاري ومسلم . ويتبرؤون من طريقة الرافضة والخوارج الذين يسبون بعض الصحابة رضي الله عنهم ويبغضونهم ويجحدون فضائلهم أو يكفرونهم . وأهل السنة يقبلون ما جاء في الكتاب والسنة من فضائلهم ويعتقدون أنهم خير القرون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ خيركم قرني ] رواه البخاري ومسلم . ولما ذكر صلى الله عليه وسلم افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة وأنها في النار إلا واحدة , وسألوه عن تلك الواحدة قال : [ هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ] أخرجه الترمذي .
قال أبو زرعة وهو أجل شيوخ مسلم : [ إذا رأيت الرجل ينتقص امرأ من الصحابة فاعلم أنه زنديق , وذلك أن القرآن حق والرسول حق وما جاء به حق , وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة . فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فبكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق ] .
ب- النهي عن سب أئمة الهدى من علماء هذه الأمة :
يلي الصحابة في الفضيلة والكرامة والمنزلة أئمة الهدى من التابعين وأتباعهم في القرون المفضلة , كما قال تعالى : [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ] التوبة 100. فلا يجوز لمزهم ولا تنقصهم أو سبهم , لأنهم أعلام هدى فقد قال الله تعالى [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ] النساء 15.
وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم فإنهم خلفاء الرسول في أمته والمحيون لما مات من سنته فبهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا وكلهم متفقون اتفاقا يقينا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا يؤخذ بهذا القول وإن كان الأحرى به أن يكون قد خالف منطوق الحديث لعذر مقبول . والحط من قدر العلماء [ أهل الحديث ] بسبب وقوع الخطأ الاجتهادي من بعضهم هو من طريقة المبتدعة نزغا من الشيطان للتشكيك في دين الإسلام ولإيقاع العداوة بين المسلمين وفجل فصل خلف الأمة عن سلفها وبث الفرقة بين الناس وبين العلماء ورثة الأنبياء .
4- فيما يجب لولاة الأمر من المسلمين : يعتقد أهل السنة والجماعة : بأن الله تعالى أوجب على المؤمنين طاعة ولاة أمرهم في غير معصية الله .ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم [ اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلو مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية ] أخرجه أبن حبان . ويعتقدون تحريم خروج الرعية على ولاة الأمر وإن جاروا وظلموا ما لم يروا كفرا بواحا عندهم فيه من الله برهان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم [ خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ] قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال: لا, ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ] وفي لفظ [ ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة ] أخرجه مسلم . والخارج من الجماعة ألحق به الشارع عقوبات غليظة في الدنيا والآخرة تتناسب مع عظم جريمته . من ذلك أن من مات وهو خارج عن الطاعة مفارق للجماعة مات ميتة جاهلية.ومن فارق الجماعة فإنه لا يسأل عنه كنايه عن عظيم ذنبه. ومن فارق الجماعة فلا حجة له عند الله تعالى يوم القيامة ومن فارق الجماعة فإن الشيطان معه يرتكض ومن فارق الجماعة حل دمه لولي الأمر. ويعتقد أهل السنة والجماعة : أن الدعاء لولي الأمر بالصلاح والمعافاة مما يحمد ويتأكد. وهو علامة الرجل من أهل السنة . يقول الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا .
عقيل حامد