الشبهة الثانية: قد يقول قائل إنه قد
ورد أن النبي ص قال:«أنا
في قبري حي طري، من سلَّم
علي سلَّمتُ عليه ». وأنه يستفاد منه أنه ص
حيٌّ مثل
حياتنا ، فإذا توسلنا
به سمعَنا واستجاب
لنا ، فيحصل مقصودنا ، وتتحقق رغبتنا ، وأنه لا فرق في ذلك بين حاله ص
في حياته ، وبين حاله بعد وفاته.
وهذا مردود من وجهين:
الأول: الحديث المذكور لا أصل له بهذا
اللفظ، كما أن لفظة (طريّ)
لا وجود لها في شيء من كتب السنة إطلاقًا ـ فيما نعلم ـ ولكن معناه قد ورد في عدة
أحاديث صحيحة ، منها قوله ص « إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم ، وفيه قبِض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ،
فأكثروا علي الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليّ »
قالوا:يا رسول الله! وكيف تُعرض صلاتنا
عليك ، وقد أرمتَ (قال:يقولون:بَليتَ) ، قال:« إن الله حرم على الأرض أجساد
الأنبياء» ( رواه أبو
داود وصححه
الألباني)، (أرم
أي صار رميما ـ أي عظمًا باليًا)، ومنها
قوله ص:« الأنبياء أحياء في قبورهم يصَلُّون» (رواه أبو يعلى والبزار وصححه الألباني ) وقوله
ص:«
مررت ليلة أسري بي على موسى قائمًا يصلي في قبره » (رواه مسلم ) وقوله ص:«
إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ».( رواه النسائي وصححه الألباني).
الوجه الثاني:
أن حياته ص بعد
وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب ، ولا يدري
كيفيتها إلا الله
ﻷ، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن
الحياة الدنيوية ، ولا تخضع لقوانينها ، فالانسان في الدنيا يأكل ويشرب ، ويتنفس
ويتزوج ، ويتحرك ويتبرز ، ويمرض ويتكلم ، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحدًا بعد
الموت حتى الأنبياء ‡، وفي
مقدمتهم نبينا محمد ص تعرِض له
هذه الأمور بعد موته.
ومما يؤكد هذا أن
الصحابة ن كانوا
يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته ص ، ولم
يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه ص في قبره ، ومشاورته في ذلك ،
وسؤاله عن الصواب فيها ، لماذا؟ إن الأمر واضح جدًا ، وهو أنهم كلهم يعلمون أنه ص انقطع عن الحياة الدنيا ، ولم تعد
تنطبق عليه أحوالها ونواميسها.
فرسول الله ص بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ ، ولكنها
حياة لا تشبه حياة الدنيا، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله ص:«
ما من أحد
يُسَلّم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام
» ( رواه أبو داود وحسنه الألباني)، وعلى
كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله ؛ ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو
الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منهما أحكام
الأخرى ، بل لكل منها شكل خاص وحكم معين ، ولا تتشابه إلا في الاسم ، أما الحقيقة
فلا يعلمها إلا الله.